باب قول الله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} فجاجًا: الطرق الواسعة.
قيل: إن المصنف أراد أنَّ الراحلة ليست شرطًا للوجوب، وقال ابن القصار: في الآية دليلٌ قاطع لمالك أن الراحلة ليست من شرط السبيل، فإن المخالف يزعم أنَّ الحجَّ لا يجب على الراجل، وهو خلاف الآية، ومذهب مالك عدم اشتراط الزاد والراحلة إذا قَدِرَ على المشي، وعند أبي حنيفة والشافعي: لا يلزم إلا من وجد زادًا وراحلة، وقد روى الطبري عن مجاهد، قال: كانوا لا يركبون، فأنزل الله:{يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} فأمرهم بالزاد، ورخَّص لهم في الركوب والمتجر. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس، قال: ما فاتني شيء أشدُّ علي أن لا أكون حججتُ ماشيًا لأنَّ الله يقول: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} فبدأ بالرجال قبل الركبان.
وقوله:"فجاجًا" الطرق الواسعة، قال يحيى الفراء: سبلًا فجاجًا، واحدها فج وهي الطرق الواسعة، واعترضه الإسماعيلي فقال: يقال: الفج: الطريق بين الجبلين، فإذا لم يكن كذلك لم يسم الطريق فجًا، وهو قول بعض أهل اللغة، وجزم أبو عبيد، ثم الأزهري بأن الفج: الطريق الواسع، وقد نقل صاحب "المحكم" أنَّ الفج: الطريق الواسع في جبل أو في قبل جبل، وهو أوسع من الشعب، وروى ابن أبي حاتم والطبري عن ابن عباس في قوله:"فجاجًا" يقول: طرقًا مختلفة، وعن قتادة قال: طرقًا وأعلامًا، وقال أبو عبيدة: فج عميق، أي: بعيد القعر، وهذا تفسير العميق، يقال: بئر عميقة القعر، أي: بعيدة القعر.
وقوله:"يأتوك رجالًا" مجزوم لأنه جواب الأمر في قوله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}، قيل: المأمور بالأذان إبراهيم عليه السلام لمَّا فرغ من بناء البيت أمره الله تعالى أن يؤذن، قال إبراهيم: يا رب وما يبلغ أذاني، قال: أذِّن وعليَّ البلاغ، فقام بالمقام، وقيل على جبل أبي قبيس، وأدخل أصبعيه في أذنيه، وأقبل بوجهه يمينًا وشمالًا، وشرقًا وغربًا، وقال: يا أيُّها النَّاس، إنَّ الله يدعوكم إلى الحج ببيته الحرام. فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء ممن سبق في علم الله تعالى أنه يحجُّ، فأجابوا لبيك اللهم لبيك، فمن أجاب يومئذٍ حجَّ