قوله:"ص ليس من عزائم السجود" يعني السجود في "ص" إلخ والمراد بالعزائم: ما وردت العزيمة على فعله كصيغة الأمر مثلًا، بناء على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند مَنْ لا يقول بالوجوب. وقد روى ابن المنذر وغيره عن علي بن أبي طالب بإسناد حسن: أن العزائم: حم، والنجم، واقرأ، وآلم تنزيل، وكذا ثبت عن ابن عباس في الثلاثة الأخر. وقد مرّ في الترجمة زيادة في معنى العزائم، وفي عددها.
وقوله:"وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسجد فيها"، وفي تفسير "ص" عند المصنف عن مجاهد قال: سألت ابن عباس من أين سجدت في "ص". ولابن خزيمة من هذا الوجه:"من أين أخذت سجدة ص". ثم اتفقا فقال: ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله: "فبهداهم اقتده" ففي هذا أنه استنبط مشروعية السجود فيها من الآية، وفي الأول أنه أخذه من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا تعارض بينهما، لاحتمال أن يكون استفاده من الطريقين.
وقد وقع في أحاديث الأنبياء عن مجاهد في آخره، فقال ابن عباس: نبيكم ممن أمر أن يقتدى بهم، فاستنبط وجه سجود النبي فيها من الآية، وسبب ذلك كون السجدة التي في "ص"، إنما وردت بلفظ الركوع، فلولا التوقيف ما ظهر أن فيها سجدة. وفي النسائي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعًا سجدها داود توية، ونحن نسجدها شكرًا. فاستدل الشافعي بقوله:"شكرًا" على أنه لا يسجد فيها في الصلاة؛ لأن سجود الشاكر لا يشرع داخل الصلاة. ولأبي داود وابن خزيمة والحاكم عن أبي سعيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ وهو على المنبر، فلما بلغ السجدة نزل، فسجد، وسجد الناس معه. ثم قرأها في يوم آخر، فتهيأ الناس للسجود فقال:"إنما هي توية نبي ولكني رأيتكم تهيأتم"، فنزل وسجد، وسجدوا معه، فهذا السياق يشعر بأن السجود فيها لم يؤكد كما أكد في غيرها.
واستدل بعض الحنفية من مشروعية السجود عند قوله:"وخرّ راكعًا وأناب" بأن الركوع عندها