على الفقر؛ لأن العطاء إنما يكون مع الغنى، وقد مرّ الخلاف في ذلك عند حديث "لا حد إلاَّ في اثنتين" في كتاب العلم. وفيه كراهة السؤال والتنفير عنه، ومحله إذا لم تدعُ إليه ضرورة من خوف هلاك ونحوه، وقد روى الطبرانيّ عن ابن عمر بإسناد فيه مقال، مرفوعًا إما المعطي من سَعَةٍ أفضل من الآخذ إذا كان محتاجًا".
وقوله: "ومَنْ يستعف" من الاستعفاف، وهو طلب العفة، وهم الكف عن الحرام والسؤال من الناس. وقيل: الاستعفاف الصبر والنزاهة عن الشيء، وقوله: "يُعِفُّه الله" بضم الياء من الإِعفاف، ومعناه يُصَيِّره عفيفًا. وقوله: "ومَنْ يستغن يغنه الله" شرط وجزاء، وعلاقة الجزم حذف الياء، أي من يطلب الغنى من الله يعطه.
[رجاله خمسة]
قد مرّوا، إلا حكيمًا. مرّ موسى بن إسماعيل في الخامس من بدء الوحي، وهشام وأبو عروة في الثاني منه، ومرَّ وهيب في تعليق بعد الخامس عشر من الإيمان.
وأما حكيم فهو ابن حِزام بن خُويلد بن أَسَد بن عبد العُزّى بن قُصَى الأسديّ ابن أخي خديجة بنت خُويلد، يكنى أبا خالد، وأمه صفية، وقيل: فاختة، وقيل: زينب بنت زُهير بن الحارث بن أسد بن عبد العُزّى. وروى أبو حبيبة، مولى الزبير، سمعت حكيم بن حزام يقول: ولدت قبل الفيل بثلاث عشرة سنة، وكنت أعقل حين أراد عبد المطلب أن يذبح ولده عبد الله، وكانت ولادته قبل مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- بخمس سنين. وقتل والد حكيم في الفِجار، وشهدها هو.
ولد في جوف الكعبة، وذلك أن أمه دخلت الكعبة في نسوة من قريش، وهي حامل، فضربها المخاض فأتيت بنِطْعٍ، فولدت حكيمًا عليه. كان من سادات قريش في الجاهلية وفي الإِسلام، وكان صديق النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل المبعث، وكان يوده، ولكن تأخر إسلامه حتى أسلم عام الفتح، فأسلم هو وبنو عبد الله وخالد ويحيى وهشام، وكلهم صحب النبي عليه الصلاة والسلام، وثبت في السِيَر وفي الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن" وكان من المؤلفة، وشهد حُنَيْنَاً، وأعطي من غنائمها مئة بعير، ثم حسن إسلامه.
وكان قد شهد بدرًا مع الكفار، ثم نجا مع مَنْ نجا، وكان إذا اجتهد في اليمين يقول: والذي نجّاني يوم بدر. كان عاقلاً سَرِيًّا فاضلًا سيدًا بماله، غنيًا، أعتق في الجاهلية مئة رقبة، وحمل على مئة بعير، ثم أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت أشياءَ كنتُ أفعلها في الجاهلية أتحنَّثُ بها، ألي فيها أجر؟ قال له: "أسلمت على ما أسلفت من خير". وجاء الإِسلام وفي يده الرِّفادة، وكان يفعل المعروف، ويصل الرحم، وكانت له دار الندوة، فباعها من معاوية بمئة ألف درهم، فلامه ابن الزبير، وقال له: بعت مكرمة قريش. فقال له: ذهبت المكارم إلا التقوى، اشتريتُ بها يا ابن أخي دارًا في الجنة، فتصدق بالدراهم كلها، وهو ممن عاش مئة وعشرين سنة،