أذانيهما ما ذكر في حديث عائشة، ثبت أنهما كانا يقصدان وقتًا واحدًا، وهو طلوع الفجر، فيخطئه بلال ويصيبه ابن أم مكتوم. وتعقب بأنه لو كان كذلك ما أقرّه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مؤذنًا، واعتمد عليه، ولو كان كما ادعى كان وقوع ذلك منه نادرًا، وظاهر حديث ابن عمر يدل على أن ذلك كان شأنه وعادته.
وفي الحديث جواز اتخاذ مؤذنين في المسجد الوّاحد. قال ابن دَقيق العيد: وأما الزيادة على الاثنين فليس في الحديث تعرض لها، ونص الشافعي على جوازه، ونصه: ولا يتضيق إن أذن أكثر من واحد، وإذا كانوا متعددين جاز ترتيبهم واحدًا بعد واحد، إلا المغرب فيكره الترتيب فيها عند المالكية، لضيق وقتها، وإذا أدّى إلى خروج وقتها المختار حرم، وجاز جمع اثنين فأكثر على أذان واحد، ومنع منه قوم، ويقال: إن أول من أحدثه بنو أمية، ويشترط أن يكون كل واحد على أذان نفسه وإلا كره، وهذا إذا لم يؤد إلى تقطيع اسم الله أو اسم نبيه وإلا حرم، وحينئذ لا يحكى.
وقالت الشافعية: لا يكره إلا إن حصل من ذلك تهويش. واستدل به على جواز تقليد الأعمى للبصير في دخول الوقت، وهو جائز كما مرّ. وقال في "الفتح": وفيه أوجه. واختلف فيه الترجيح، وصحح النووي في كتبه أن للأعمى والبصير اعتماد المؤذن الثقة، وعلى جواز شهادة الأعمى، وقيد بأنّ تكون في قول لا في فعل، وعلى جواز العمل بخبر الواحد، وعلى أن ما بعد الفجر من حكم النهار، وعلى جواز الأكل مع الشك في طلوع الفجر؛ لأن الأصل بقاء الليل، وخالف في ذلك مالك، ففي مذهبه يحرم عليه الأكل حينئذ، ويجب عليه القضاء، ولا كفارة اتفاقًا، وعلى جواز الاعتماد على الصوت في الرواية إذا كان عارفًا به، وإن لم يشاهد الراوي وخالف في ذلك شعبة، لاحتمال الاشتباه، وعلى جواز ذكر الرجل بما فيه من العاهة إذا كان بقصد التعريف ونحوه، وجواز نسبة الرجل إلى أمه إذا اشتهر بذلك واحتيج إليه.