للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منظرًا، وأنتنه ريحًا، كأنما ريحهم المراحيض، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزواني والزناة، ثم انطلقنا، فإذا نحن بموتى أشد شيء انتفاخًا، وأنتنه ريحًا، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى الكفار. ثم انطلقنا، فإذا نحن برجالٍ نيامٍ تحت ظلال الشجر، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى المسلمين. ثم انطلقنا، فإذا نحن برجال أحسن شيء وجهًا، وأطيبه ريحًا، قلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الصديقون والشهداء والصالحون .. الحديث".

وفي هذا الحديث من الفوائد أن الإسراء وقع مرارًا، يقظةً ومنامًا على أنحاء شتى، وفيه أن بعض العصاة يعذبون في البَرزخ، وفيه نوع من تلخيص العلم، وهو أن يجمع القضايا جملة ثم يفسرها على الولاء، ليجتمع تصورها في الذهن. والتحذير من النوم عن الصلاة المكتوبة، وعن رفض القرآن لمن يحفظه، وعن الزنى وأكل الربى، وتعمد الكذب، وأن الذي له قصر في الجنة لا نعيم فيه وهو في الدنيا، بل إذا مات، حتى النبي والشهيد.

وفيه الحث على طلب العلم، واتباع من يلتمس منه ذلك، وفيه فضل الشهداء، وأن منازلهم في الجنة أرفع المنازل، ولا يلزم من ذلك أن يكونوا أرفع درجة من إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لاحتمال أنّ إقامته هناك بسبب كفالته الولدان، ومنزله هو في المنزلة التي هي أعلى من منازل الشهداء، كما تقدم في الإسراء "أنه رأى آدم في السماء الدنيا، وإنما كان كذلك لكونه يرى نسم بنيه من أهل الخير ومن أهل الشر، فيضحك ويبكي، مع أن منزلته هو في عِفَيين، فإذا كان يوم القيامة، استقر كل منهم في منزلته.

وفيه أن من استوت حسناته وسيئاته يتجاوز الله عنهم، اللهم تجاوزْ عنا برحمتك يا أرحم الراحمين. وفيه أن الاهتمام بأمر الرؤيا بالسؤال عنها، وفضل تعبيرها واستحباب ذلك بعد صلاة الصبح؛ لأنه الوقت الذي يكون فيه البال مجتمعًا، وفيه استقبال الإمام أصحابه بعد الصلاة إذا لم يكن بعدها راتبة، وأراد أن يعظهم أو يفتيهم أو يحكم بينهم.

وفيه أن ترك استقبال القبلة للإقبال عليهم لا يكره، بل يشرع، كالخطيب، قال الكرماني: مناسبة العقوبات المذكورة فيه للجنايات واضحة، وقد مرت المناسبة في الزناة، والحكمة في الاقتصار على مَنْ ذكر من العصاة دون غيرهم، أن العقوية تتعلق بالقول أو الفعل، فالأول على وجود ما لا ينبغي منه أن يقال، والثاني إما بدنيّ، وإما ماليّ، فذكر لكل منهم مثالًا ينبه به على مَنْ عداه، كما نبه بمن ذكر من أهل الثواب، وأنهم أربع درجات: درجات النبي، ودرجات الأمة أعلاها الشهداء، وثانيها مَنْ بلغ، وثالثها مَن كان دون البلوغ.

[رجاله أربعة]

قد مرّوا، وقد مرَّ أن بعض الروايات "وقال يزيد ووهب بن جرير الخ" مرّ موسى بن إسماعيل في الخامس من بدء الوحي، وجرير بن حازم في السبعين من استقبال القبلة، ومرَّ أبو رجاء في

<<  <  ج: ص:  >  >>