للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العواقب، غير مفيدة حقيقة، فبين لهم أن كلًا ميسرٌ مما خلق له، وأن عمله في العاجل دليلٌ على مصيره في الأجل، ولذلك مثَّل بالآيات، ونظير ذلك الرزق مع الأمر بالكسب، والأجل مع الإِذن في المعالجة.

وقال في موضع آخر: هذا الحديث إذا تأملته وجدت فيه الشفاء مما يتخالج في الضمير من أمر القدر، وذلك أن القائل: أفلا نتكل وندع العمل؟ لم يدع شيئًا مما يدخل في أبواب المطالبات والأسئلة إلا وقد طالب به، وسأل عنه، فأعمله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن القياس في هذا الباب متروك، والمطالبة ساقطة، وأنه لا يشبه الأمور التي عقلت معانيها، وجرت معاملة البشر فيما بينهم عليها، بل طوى الله علم الغيب عن خلقه، وحجبهم عن دركه، كما أخفى عنهم أمر الساعة، فلا يعلم أحد متى حين قيامها.

وقد قال أبو المظفر بن السمعانيّ سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة، دون محض القياس والعقل، فمن عدل عن التوقيف فيه ضلَّ وتاه في بحار الحيرة، ولم يبلغ شفاء العين، ولا يطمئن به القلب, لأن القدر سر من أسرار الله تعالى اختصَّ به العليمُ الخبير، وضرب دونه الأستار، وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم، لما علمه من الحكمة، فلم يعلمه نبيٌّ مرسل، ولا مَلك مقرب.

وقيل: إن سر القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة، ولا ينكشف لهم قبل دخولها. وقال غيره: وجه الانفصال عن شبهة القدرية أن الله أمرنا بالعمل، فوجب علينا الامتثال، وغيّب عنا المقادير لقيام الحجة، ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته، فمن عدل عنه ضل وتاه, لأن القدر سر من أسرار الله لا يطلع عليه إلا هو. وفي الحديث أن أفعال العباد، وإن صدرت عنهم، لكنها قد سبق علم الله بوقوعها، بتقديره، ففيه إبطال قول القدرية صريحًا.

رجاله ستة قد مرّوا، مرَّ عثمان بن أبي شيبة وجرير ومنصور بهذا النسق في الثاني عشر من العلم، ومرَّ سعد بن عُبيدة في الأخير من الوضوء ومرَّ أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب في الثاني والعشرين من الغُسل، ومرَّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه في السابع والأربعين من الوضوء.

وفي الحديث لفظ جَنازةٍ مبهمة، ولفظ رجل مبهم، أما الجنازة فلم أقف على تسميتها، وأما الرجل السائل فقيل: إنه عليّ صاحب الحديث، كما عند البخاري في التفسير بلفظ "فقلنا"، وقيل: عمر بن الخطاب، كما في حديث التِّرمذيّ، وعمر رضي الله عنه قد مرَّ في الأول من بدء الحي، قيل: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، كما عند أحمد والبزار والطبرانيّ، وأبو بكر رضي الله عنه مرَّ في باب "من لم يتوضأ من لحم الشاة" بعد الحادي والسبعين من الوضوء. وقيل: رجل مِنَ الأنصار لم يُسَمّ، وقيل: هو سُراقة بن مالك كما في مسلم. وهذا لم يُعَرَّف، وها أنا أذكر تعريفه فأقول: هو سراقة بن مالك بن جعْشم بن مالك بن عمرو بن تَيْم بن مُدْلج من مُرّة بن عبد مَناة بن

<<  <  ج: ص:  >  >>