قال الزين بن المنير: عَطْفُ الصدقة على الزكاة من عَطْفِ العام على الخاص، إذ لو اقتصر على الزكاة لأفهم أن غيرها بخلافها، وحذف مفعول "يعطي" اختصارًا لكونهم ثمانية أصناف، وأشار بذلك إلى الرد على مَنْ كره أن يدفع إلى شخص واحد قدر النصاب، وهو محكيّ عن أبي حنيفة. وقال محمد بن الحسن: لا بأس به، وقال غيره: لفظ الصدقة يعم الفرض والنفل، والزكاة كذلك، لكنها لا تطلق غالبًا إلا على المفروض دون التطوع، فهي أخص من الصدقة من هذا الوجه، ولفظ الصدقة من حيث الإطلاق على الفرض، مرادف الزكاة، لا من حيث الإطلاق على النفل، وقد تكرر في الأحاديث لفظ الصدقة على المفروضة، ولكن الأغلب التفرقة.
وقوله:"كم يُعطى؟ " على بناء المجهول، ويجوز أن يكون علي بناء المعلوم، أي مقدار كم يعطي المزكي في زكاته؟ أو: كم يعطي المتصدق في صدقته. وقوله:"ومَنْ أُعطي شاة" عطف على قوله: "قدر كم يُعطى" أي: وفي بيان حكم من أعطى شاة، فكأنه أشار بذلك إلى أنه إذا أعطى شاة في الزكاة إنما تجوز إذا كانت كاملة، لأن الشارع نص على كمال الشاة في موضع تؤخذ منه الشاة، فإذا أعطى جزءًا منها لا يجوز، وأما في الصدقة فيجوز أن يعطي الشاة كلها، ويجوز أن يعطي جزءًا منها.
[الحديث الخمسون]
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: بُعِثَ إِلَى نُسَيْبَةَ الأَنْصَارِيَّةِ بِشَاةٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها مِنْهَا فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ ". فَقُلْتُ: لاَ، إِلاَّ مَا أَرْسَلَتْ بِهِ نُسَيْبَةُ مِنْ تِلْكَ الشَّاةِ، فَقَالَ:"هَاتِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا".
قوله:"بُعث إلى نُسَيبة" بضم الموحدة مبنيًا للمجهول، وفي رواية بَعَثَ بفتحات مبنيًا للفاعل، والباعث رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، لما في مسلم عن أُم عطية قالت: بعث إليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشاةٍ من الصدقة، فبعثتُ إلى عائشة بشيءٍ منها ... الحديث، ونُسَيبة بضم النون مصغرًا، وهي أُم عطية لا غيرها، فكان مقتضى الظاهر أن تقول: بُعِث إليّ بضمير المتكلم المجرور، لكنها عبرت عن نفسها بالظاهر، حيث قالت:"إلى نُسَيبة"، موضعَ المضمر الذي هو ضمير المتكلم المجرور،