وقال ابن حزم الظاهري: إنْ صلى على الشهيد فَحَسُن، وإن لم يصلِّ عليه فحسَن. واستدل بحديثي جابر وعُقبة، وقال: ليس يجوز أن يترك أحد الأثرين المذكورين للآخر، بل كلاهما حق مباح، وليس هذا مكان نسخ لأن استعمالهما معًا ممكن في أحوال مختلفة. وقال الطحاويّ: معنى صلاته -صلى الله عليه وسلم- لا يخلو من ثلاثة معانٍ: إما أن يكون ناسخًا لما تقدم من ترك الصلاة عليهم، أو يكون من سنتهم أن لا يصلِّي إلا بعد هذه المدة المذكورة، أو تكون الصلاة عليهم جائزة، بخلاف غيرهم، فإنها واجبة. وأيها كان، فقد ثبت بصلاته عليهم، الصلاةُ على الشهداء. ثم إن الكلام بين المختلفين في عصرنا إنما هو في الصلاة عليهم قبل دفنهم، وإذا ثبتت الصلاة عليهم بعد الدفن، كانت قبل الدفن أوْلى.
وغالب ما ذكره بصدد المنع، لاسيما في دعوى الحصر، فإن صلاته عليهم تحتمل أمورًا أُخر، منها أن يكون من خصائصه، ومنها أن تكون بمعنى الدعاء كما تقدم، ثم هي واقعةُ عين لا عمومَ فيها، فكيف ينتهض الاحتجاج بها لدفع حكم قد تقرر؟ ولم يقل أحد من العلماء بالاحتمال الثاني الذي ذكره.
[رجاله خمسة]
قد مرّوا، مرَّ محل عبد الله بن يوسف والليث في الذي قبله، ومرَّ يزيد بن أبي حبيب وأبو الخير في الخامس من الإِيمان، ومرَّ عقبة بن عامر في السابع والعشرين من كتاب الصلاة.
[لطائف إسناده]
فيه التحديث بالجمع والإِفراد والعنعنة، ورواته كلهم مصريون، وهو معدود من أصح الأسانيد، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ. أخرجه البخاريّ أيضًا في علامات النبوءة، وفي المغازي وفي ذكر الحوض، ومسلم في فضائل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأبو داود والنَّسَائيّ في الجنائز، ثم قال المنصف: