وللترمذي عن علي:"نهى أن تحلق المرأة رأسها" وقال جمهور الشافعية: لو حلقت أجزأها، ويكره، وقال القاضيان أبو الطيب وحسين: لا يجوز، قال الكمال بن الهمام: اتفق الأئمة الثلاثة، أبو حنيفة، ومالك، والشافعي أن قال كل منهم بأنه يجزىء في الحلق القدر الذي قال: إنه يجزىء في الوضوء، ولا يصح أن يكون هذا منهم بطريق القياس؛ لأنه يكون قياسًا بلا جامع بظهر أثره، وذلك لأن حكم الأصل على تقدير القياس وجوب المسح، ومحله المسح، وحكم الفرع وجوب الحلق، ومحله الحلق للتحلل، ولا يظنّ أن محل الحكم الرأس، إذا لا يتحد الفرع والأصل، وذلك أن الأصل والفرع هما محلا الحكم المشبه به والمشبه، والحكم هو الوجوب مثلًا، ولا قياس يتصور عند اتحاد محله إذ لا إثنينية وحينئذٍ فحكم الأصل وهو وجوب المسح ليس فيه معنى يوجب جواز قصره على الربع، إنما فيه نفس النص الوارد فيه، وهو قوله تعالى:{وامسحوا برؤوسكم} بناء، إما على الإجمال، والتحاق حديث المغيرة بيانًا، أو على عدمه والمفاد بسبب الباء إلصاق اليد كلها بالرأس؛ لأن الفعل حينئذٍ يصير متعديًا إلى الآلة بنفسه فيشملها، وتمام اليد يستوعب الربع عادة فيتعين قدره لا أن فيه معنى ظهر أثره في الاكتفاء بالربع، أو بالبعض مطلقًا، أو تعين الكل في وجوب حلقها عند التحلل من الإحرام، ليتعدى الاكتفاء بالربع من المسح إلى الحلق، وكذا الآخران.
وإذا انتفت صحة القياس فالمرجع في كل من المسحة، وحلق التحلل ما يفيده نص الوارد فيه، والوارد في المسح دخلت فيه الباء على الرأس التي هي المحل فأوجب عند الشافعي التبعيض، وعند الحنفية والمالكية الباء للإلصاق غير أن الحنفية لاحظوا تعدي الفعل للآلة فيجب قدرها من الرأس، ولم يلاحظها مالك، فاستوعب الكل، أو جعلها صلة كما في:{وامسحوا بوجوهكم} في آية التيمم، فاقتضى وجوب استيعاب المسح، وأما الوارد في الحلق فمن الكتاب قوله تعالى:{محلقين رؤوسكم} من غير باء ففيها إشارة إلى طلب تحليق الرؤوس، أو تقصيرها، وليس فيها ما هو الموجب بطريق التبعيض عند الحنفية والشافعية، وهو دخول الباء على المحل، ومن السنة فعله عليه الصلاة السلام، وهو الاستيعاب فكان مقتضى الدليل في الحلق وجوب الاستيعاب كما هو قول مالك، وهو الذي أدين الله به.
وكتبت هذا البحث بطوله لحسنه عندي وإصابته للصواب.
[الحديث الرابع والمائتان]
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قال: أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: حَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي حَجَّتِهِ.
وهذا طرف من حديث طويل رواه مسلم، عن نافع، أن ابن عمر أراد الحج عام نزول