باب الدعاء والصلاة من آخر الليل وقال الله عَزَّ وَجَلَّ:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}
في رواية أبي ذَرٍّ "الدعاء في الصلاة"، فزاد الأصيليّ:"ما يهجعون" أي: ما ينامون، وقد ذكر الطبريّ وغيره الخلافَ عن أهل التفسير في ذلك، فنقل ذلك عن الحسن والأحنف وإبراهيم النخعيّ وغيرهم، وعلى هذا تكون ما زائدة أو مصدرية، فعلى أنها زائدة "يهجعون" خبر كان، و"قليلًا" إما ظرف أي: زمانًا قليلًا، و"من الليل" إما صفة متعلق بيهجعون، وإما مفعول مطلق، أي: هجوعًا قليلًا، وعلى أنها مصدرية فما "يهجعون" فاعل "قليلًا"، و"من الليل" بيان أو حال من المصدر، و"مِن" للابتداء. ونقل عن قتادة ومجاهد أن معناه "كانوا لا ينامون ليلة، حتى الصباح لا يتهجدون" وعن سعيد بن عباس معناه: لم تكن تمضي عليهم ليلة إلا يأخذون منها ولو شيئًا. ورجح الأول؛ لأن الله تعالى وصفهم بذلك مادحًا لهم بكثرة العمل.
قال الخليل: هجع يَهْجَع هُجُوعًا، وهو النوم بالليل دون النهار، وعلى الاخر تكون ما نافية، واعترض هذا بأن ما بعد ما النافية لا يعمل فيما قبلها. وقوله:{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أي: أنهم مع قلة هجوعهم وكثرة تهجدهم، إذا أسحروا، أخذوا في الاستغفار، كأنهم أسلفوا في ليلتهم الجرائم، وسقط عند أبي ذرٍّ والأصيليّ وأبي الوقت {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
أورد المصنف هذا الحديث عن الأَغَرّ أبي عبد الله، وأبي سلمة جميعًا، عن أبي هريرة، وقد اختلف فيه على الزهريّ، فرواه عنه مالك وحفاظ أصحابه كما هنا، واقتصر بعضهم عنه على أحد الرجلين، وقال بعض أصحاب مالك عنه عن سعيد بن المُسَيِّب بدلهما، ورواه أبو داود الطيالسيّ عن إبراهيم بن سعد عن الزهريّ، فقال الأعرج بدل الأغر، فصحفه، وقيل عن الزهري عن عطاء بن يزيد بدل أبي سلمة. قال الدارقطنيّ: وهو وهم، والأغر المذكور لقب، واسمه سلمان، ويكنى أبا عبد الله، مدنيٌّ، ولهم راوٍ آخر يقال له الأغر أيضًا، لكنه اسمه وكنيته أبو مسلم، كوفي.