للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتأخر ذلك عن بعضهم في بعض الأوقات تهذيبًا، وزيادة لهم في الثواب. وفيه إثبات كرامات الأولياء، ووقوع الكرامة لهم باختيارهم وطلبهم، وقال ابن بطّال: يحتمل أن يكون جريج كان نبيًا، فتكون معجزة، كذا قال. وهذا الاحتمال لا يتأتى في حق المرأة التي كلمها ولدها المرضَع، كما مرَّ.

وفيه جواز الأخذ بالأشد في العبادة لمن علم من نفسه قوة على ذلك، واستدل به بعضهم على أن بني إسرائيل كان من شرعهم أن المرأة تصدّق فيما تَدَّعيه على الرجال من الوطء، ويلحق به الولد، وأنه لا ينفعه جحد ذلك إلا بِبَيِّنَةٍ تدفع قولها. وفيه أن مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة، وأن المفزع في الأمور المهمة إلى الله تعالى يكون بالتوجه إليه في الصلاة، واستدل بعض المالكية بقول جريج: من أبوك يا غلام؟ بأن من زنى بامرأة فولدت بنتًا لا يحل له التزوج بتلك البنت، خلافًا للشافعية، ولابن الماجشون من المالكية.

ووجه الدلالة أن جريجًا نسب ابن الزنى للزاني، وصدق الله نسبته بما خرق له من العادة في نطق المولود بشهادته له بذلك، وقوله: "أبي فلان الراعي"، فكانت تلك النسبة صحيحة، فيلزم أن تجرى بينهما أحكام الأبوة والبنوة، خرَجَ التوارث والولاء بدليل فبقي ما عدا ذلك على حكمه. وأما أم المزني بها أو بنتها ففي حرمتهما على الزاني وعدم حرمتهما خلاف عند مالك.

وفيه أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة خلافًا لمن زعم ذلك، وإنما الذي يختص بها الغُرَّة والتَّحْجيل في الآخرة، وقد تقدم البحث في هذا في كتاب الوضوء، وفي حديث المرضع التي من عليها الراكب "أن نفوس أهل الدنيا تقف مع الخيال" الظاهر فتخاف سوء الحال بخلاف أهل التحقيق، فوقوفهم مع الحقيقة الباطنة، فلا يبالون بذلك مع حسن السريرة، كما قال الله تعالى، إخبارًا عن أصحاب قارون حيث خرج عليهم: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ .... ، وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ} وفيه أن البشر طبعوا على إيثار الأولاد على الأنفس بالخير، لطلب المرأة الخير لابنها، ودفع الشر عنه ولم تذكر نفسها.

[رجاله أربعة]

قد مرّوا، مرَّ الليث في الثالث من بدء الوحي، ومرَّ جعفر بن ربيعة في الرابع من التيمم، ومرَّ ابن هُرمز في السابع من الإيمان، ومرَّ أبو هريرة في الثاني منه. وفي الحديث ذكر جُريج وهو عابد من عباد بني إسرائيل، وأمه ثم يعرف اسمها. والحديث أخرجه مسلم أيضًا، مطولًا، في باب بِرّ الوالدين، ودعاء الوالدة على الولد. ثم قال المصنف:

<<  <  ج: ص:  >  >>