صنيعه، لكونه فتح له الباب، ونهج له الطريق، فكذلك من كانت طريقته النوح على الميت، يكون قد نهج تلك الطريق، فيؤاخذ على فعله الأول وحاصل ما بحثه المصنف في هذه الترجمة أن الشخص لا يعذَّب بفعل غيره إلا إذا كان له فيه تسبب، فمن أثبت تعذيب شخص بفعل غيره فمراده هذا، ومن نفاه فمراده ما إذا لم يكن له فيه تسبب أصلًا.
وقد اعترض بعضهم على استدلال البخاريّ بهذا الحديث, لأن ظاهره أن الوِزر يختص بالبادىء دون من أتى بعده، فعلى هذا يختص التعذيب بأول من سن النوح على الموتى، والجواب أنه ليس في الحديث ما ينفي الإِثم عن غير البادىء، فيستدل على ذلك بدليل آخر، وإنما أراد المصنف بهذا الحديث الرد على من يقول إن الإِنسان لا يعذب إلا بذنب باشره بقوله أو فعله، فأراد أن يبين أنه قد يعذب بفعل غيره، إذا كان له فيه تسبب.
قوله: عن أبي عثمان، في رواية شعبة في أواخر الطب عن عاصم "سمعت أبا عثمان". وقوله: أرسلتْ بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هي زينب كما في رواية أبي معاوية عن عاصم المذكور في مصنف ابن أبي شيبة. وقوله: إن ابنًا لي، هو عليّ بن أبي العاص، على أنها زينب، وقيل: مُحسن بن عليّ على أنها فاطمة البَتول، كما في مسند البزّار، ويأتي في السند تعريف عليّ ومُحسن.
قال في "الفتح": والصواب أن المرسِلة زينب، وأن الولد صبية، كما ثبت في مسند أحمد بلفظ "أُتي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بأمامةَ بنت زينب" زاد ابن سعد "ونفسها تَقَعْقَعُ كأنها في شَنٍّ" ولا يرد على هذا ما ثبت بالاتفاق أن أمامة عاشت بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة، وعاشت عنده حتى قتل عنها, لأنه يجاب عنه بأن المراد بقوله في حديث الباب: إن ابنًا لي قُبض، أي: قارب أن يُقْبَض، ويدل على ذلك أن في رواية حماد "أرسلت تدعوه إلى ابنها في الموت".