للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية شعبة "إن ابنتي قد حُضِرت" وهو عند أبي داود من طريقه "إنَّ ابني أو ابنتي" والصواب، كما مرَّ، قول من قال ابنتي، لا ابني، فقد روى الطبرانيّ في "الكبير" عن عبد الرحمن بن عوف قال: استُعِزَّ بأُمامةَ بنت أبي العاص، فبعثت زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليه، فذكر الحديث. وفيه مراجعة سعد في البكاء وغير ذلك.

وقوله في هذه الرواية "استُعِز" بضم المثناة وكسر المهملة وتشديد الزاي، أي: اشتد بها المرض، وأشرفت على الموت، والذي يظهر أن الله تعالى أكرم نبيه عليه الصلاة والسلام، لمّا سلم لأمر ربه، وصبر ابنته ولم يملك مع ذلك عينيه من الرحمة والشفقة، بأنْ عافى الله ابن ابنته في ذلك الوقت، فخلصت من تلك الشدة، وعاشت تلك المدة، وهذا ينبغي أن يُذكر في دلائل النبوءة.

وقوله: يُقرىء السلام، بضم أوله، وقوله: إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، قدم ذكر الأخذ على الإعطاء، وإن كان متأخرًا في الواقع، لما يقتضيه المقام، والمعنى أن الذي أراد الله أن يأخذه هو الذي كان أعطاه، فإن أخذه أخذ ما هو له، فلا ينبغي الجَزَع, لأن مستودَع الأمانة لا ينبغي له أن يجزعَ إذا استعيدت منه.

ويحتمل أن يكون المراد بالإِعطاء إعطاء الحياة لمن بقي بعد الميت، أو ثوابهم على المصيبة، أو ما هو أعم من ذلك، "وما" في الموضعين مصدرية، ويحتمل أن تكون موصولة، والعائد محذوف، فعلى الأول التقديرُ: لله الأخذ والإعطاء، وعلى الثاني: لله الذي أخذه من الأولاد، وله ما أعطى منهم، أو ما هو أعم من ذلك كما مرَّ.

وقوله: وكلٌّ عنده بأجل، أي: كل من الأخذ والإعطاء، أو من الأنفس أو ما هو أعم من ذلك، وهي جملة ابتدائية معطوفة على الجملة المؤكدة، ويجوز في كلٍّ النصبُ عطفًا على اسم "إنّ"، فينسحب التأكيد أيضًا عليه، ومعنى العِندية العلم، فهو من مجاز الملازمة. والأجل يطلق على الحد الأخير، وعلى مجموع العمر.

وقوله: مُسَمّى، أي: معلوم مقدر، أو نحو ذلك. وقوله: ولتَحْتَسب، أي: تنوي بصبرها طلب الثواب من ربها, ليحسب لها ذلك من عملها الصالح. وقوله: فأرسلت إليه تقسم، في حديث عبد الرحمن بن عوف "أنها راجعته مرتين، وأنه إنما قام في ثالث مرة"، وكأنها أَلَحَّتْ عليه في ذلك دفعًا لما يظنه بعض أهل الجهل ناقصة المكانة عنده، أو ألهمها الله تعالى أنَّ حضور نبيه عندها يدفع عنها ما هي فيه من الألم، ببركة دعائه وحضوره، فحقق الله ظنها. والظاهر أنه امتنع أولًا، مبالغةً في إظهار التسليم لربه، أو ليبيّن الجواز في أن مَن دُعِي لمثل ذلك لم تجب عليه الإِجابة، بخلاف الوليمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>