يفعلن هذا، ثم قتل عنها عمر -رضي الله تعالى عنه- فقالت تبكيه:
يا عينُ جودي بعبرةٍ ونحيبِ ... لا تملي على الجوادِ النجيبِ
فجعتني المنونُ بالغارِ المعـ ... ـلمِ يومَ الهياجِ والتثويبِ
قل لأهلِ الضَّرّاء والبؤسِ موِتوا ... قد سقتهُ المنونُ كأسَ شَعوبِ
ثم تزوجها الزبير بن العوام، وشرطت عليه ما شرطت على عمر من أنه لا يضربها ولا يمنعها من الحق ولا من الصلاة في المسجد النبوي، ثم تحيّل الزبير بأن كمن لها لما خرجت إلى صلاة العشاء، فلما مرّت به ضرب على عجيزتها، فلما رجعت قالت: إنا لله فسد الناس، فلم تخرج بعد، ولما مات الزبير قالت أيضًا ترثيه:
غدرَ ابنُ جرموزٍ بفارسِ بهمةٍ ... يومَ اللقاءِ وكانَ غيرَ معددِ
يا عمرو لو نبهتهُ لوَجدتَهُ ... لا طائشًا رعشَ الجَنانِ ولا اليدِ
كم غمرةً قد خاضَها لم يثنهِ ... عنها طراؤكَ يا بنَ فقع القرددِ
يا ويحَ أمكَ إن ظفرتَ بمثله ... فيما مضى ممن يروحُ ويغتدي
واللهِ ربِّك إن قتلتَ لمسلمًا ... حلّتْ عليكَ عقوبةُ المتعمّدِ
ثم خطبها علي بن أبي طالب بعد الزبير فأرسلت إليه إني لأضن بك يا بن عم رسول الله عن القتل، وكان عبد الله بن الزبير بعد أن قتل أبوه أرسل إلى عاتكة يقول: يرحمك الله أنت امرأة من بني عدي، ونحن قوم من بني أسد وإن دخلت علينا في أموالنا أفسدتيها وأضررت بنا فقالت: رأيك يا أبا بكر ما كنت لتبعث إليّ بشيء إلا قبلته، فبعث إليها بثمانين ألف درهم فقبلتها وصالحت عليها. والقائل المبهم في قوله: فقيل لها: قالوا: إنه عمر بن الخطاب، وعمر قد مرّ ذكر محله في هذا الحديث.
[لطائف إسناده]
فيه التحديث بالجمع والعنعنة والقول، وشيخ البخاري من أفراده، ورواته ما بين كوفيّ ومدنيّ. ثم قال المصنف:
باب الرخصة إنْ لم يَحْضُرْ الجمعة في المطر
بكسر (إنْ) الشرطية ويحضر بفتح أوله أي: الرجل، وضبطه الكرماني بفتح الهمزة وببناء يحضر للمجهول أي: في إن "لم يحضر" والرخصة لغة اللين والسهولة قال الشاعر:
بمخضبِ رخصٍ كان بنانَهُ ... عَنَمٌ يكادُ من اللطافةِ يعقدُ
وشرعًا قال في "جمع الجوامع" الحكم الشرعي إن تغير من صعوبة إلى سهولة لعذر مع بقاء السبب للحكم الأصلي رخصة وإلا فعزومة.