للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب اتقوا النار ولو بِشِق تمرة والقليل من الصدقة {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ} إلى قوله: {فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}

قال الزين بن المنير وغيره: جمع المصنف بين لفظ الخبر، الآية، لاشتمال ذلك كله على الحث على الصدقة، قليلها وكثيرها فإن قوله تعالى: {أَمْوَالَهُمُ} يشمل قليل النفقة وكثيرها، ويشهد له قوله: "لا يحل مال أمرىء مسلم إلا عن طيب نفس" فإنه يتناول القليل والكثير، إذ لا قائل بحل القليل دون الكثير.

وقوله: "اتقوا النار ولو بِشِق تمرة" يتناول القليل والكثير أيضًا، والآية مشتملة أيضًا على قليل الصدقة وكثيرها، من جههْ التمثيل المذكور فيها بالطل والوابل، فشبهت الصدقة بالقليل بالطل، والصدقة بالكثير بالوابل. وأما ذكر القليل من الصدقة بعد ذكر شق التمرة، فهو من عطف العام على الخاص، ولهذا أورد في الباب حديث أبي مسعود الذي كان سببًا لنزول قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ}.

وقال عز الدين بن عبد السلام: تقدير الآية، مَثَل تضعيف أجور الذين ينفقون كمَثَل تضعيف ثمار الجنة بالمطر، إن قليلًا فقليل، وإن كثيرًا فكثير. وكان البخاري اتبع الآية الأولى التي ضربت مثلًا بالربوة، بالآية الثانية التي تضمنت ضرب المثل لمن عمل عملاً يفقده أحوج ما كان إليه، للإشارة إلى اجتناب الرياء في الصدقة، ولأن قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} يشعر بالوعيد بعد الوعد، فأوضحه بذكر الآية الثانية. وكان هذا هو السر في اقتصاره على بعضها، اختصارًا. وها أنا أذكر معنى الآيات التي ذكر مُخْتَصِرًا.

وأما حديث: "اتقوا النار" فقد مرَّ الكلام عليه قريبًا في حديث عدي بن حاتم. وقوله: "ابتغاءَ مرضاة الله" الابتغاءُ الطلب. وقوله: "تثبيتًا" عطف على ابتغاء والتقدير: مبتغين ومتثبتين من أنفسهم بالإخلاص، وذلك ببذل المال الذي هو شقيق الروح، وبذله أشق على النفس من سائر العبادات الشاقة، وكأن إنفاق المال تثبيتًا لها على الإيمان واليقين.

وقال الزمخشريّ: يحتمل أن يكون المعنى: وتثبيتًا على أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإيمان، مُخْلَصَة فيه. وقال الشعبيّ: تثبيتًا من أنفسهم، أي تصديقًا أن الله سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء. وكذا قاله قتادة. وقال مجاهد والحسن: أي: يتثبتون أين يضعون صدقاتهم. وقال الحسن: كان الرجل إذا همَّ بصدقة تثبت، فإن كان لله أمضى، وإلا ترك. وقوله: الآية، أي: إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>