بأنه خالف جميع الرواة في ذلك وقال ابن الأثير: المشهور بالنون والصاد المهملة، قال ابن التين: إنما امتنع النبي -صلى الله عليه وسلم- من إقالته لأنه لا يعين على معصية، لأن البيعة في أول الأمر كانت على أن لا يخرج من المدينة إلا بإذن، فخروجه عصيان، قال: وكانت الهجرة إلى المدينة قبل فتح مكة فرضًا على كل مسلم، ومن لم يهاجر لم يكن بينه وبين المؤمنين موالاة لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} فلما فتحت مكة قال عليه الصلاة والسلام: "لا هجرة بعد الفتح" ففي هذا إشعار بأن مبايعة الأعرابي المذكور، كانت قبل الفتح، وقال ابن المنير: ظاهر الحديث ذم من خرج من المدينة، وهو مشكل، فقد خرج منها جمع كثير وسكنوا غيرها من البلاد، وكذا من بعدهم من الفضلاء، والجواب أن المذموم من خرج عنها كراهة فيها، ورغبة عنها، كما فعل الأعرابي المذكور، وأما المشار إليهم فإنما خرجوا لمقاصد صحيحة كنشر العلم، وفتح بلاد الشرك، والمرابطة في الثغور وجهاد الأعداء، وهم مع ذلك على اعتقاد فضل المدينة، وفضل سكناها، قال ابن بطال عن المهلب: فيه تفضيل المدينة على غيرها، بما خصها الله به من أنها تنفي الخبث.
ورتب على ذلك القول بحجية إجماع أهل المدينة، وتعقب بقول ابن عبد البر: إن الحديث دال على فضل المدينة، ولكن ليس الوصف المذكور عامًّا لها في جميع الأزمنة، بل هو خاص بزمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأنه لم يكن يخرج منها رغبة عن الإقامة معه؛ إلا من لا خير فيه، وقال عياض نحوه، وأيده بما أخرجه مسلم عن أبي هريرة:"لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكبير خبث الفضة" قال: والنار إنما تخرج الخبث والرديء، وقد خرج من المدينة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- جماعة من الصحابة، وقطنوا غيرها، وماتوا خارجًا عنها كعلي وابن مسعود وحذيفة وأبي عبيدة، ومعاذ وأبي الدرداء وغيرهم، فدل على أن ذلك خاص بزمنه عليه الصلاة والسلام بالقيد المذكور، ثم يقع تمام إخراج الرديء منها في زمن محاصرة الدجال، كما مرَّ بيان ذلك مستوفى قريبًا.
[رجاله خمسة]
قد مرّوا، وفيه لفظ أعرابي مبهم: مرَّ عمرو بن عباس وعبد الرحمن بن مهدي في الأول من استقبال القبلة، مرَّ الثوري في السابع والعشرين من الإيمان، ومرَّ محمد بن المنكدر في التاسع والخمسين من الوضوء، ومرَّ جابر في الرابع من بدء الحي، والأعرابي المبهم قال في الفتح: لم أقف على اسمه إلا أن الزمخشري في ربيع الأبرار ذكر أنه قيس بن أبي حازم، وهو مشكل لأنه تابعي كبير مشهور صرحوا بأنه هاجر فوجد النبي -صلى الله عليه وسلم- قد مات وهو قد مرَّ في الخمسين من الإيمان؛ فإن كان محفوظًا فلعله آخر وافق اسمه واسم أبيه، وفي الذيل لأبي