قوله:"مَنْ اغتسل" يدخل فيه كل مَنْ يصح التقرب منه ذكر أو أُنثى أو عبد. وقوله:"غُسلَ الجنابة" بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي: غسلًا كغُسل الجنابة وهو كقوله تعالى: {مَرَّ السَّحَابِ} ويشهد بذلك رواية ابن جريج عن سمى عند عبد الرزاق "فاغتسلَ أحدُكم كما يغتسلُ من الجناَبةِ" فظاهره أن التشبيه للكيفية لا للحكم، وهو قول الأكثر. وقيل المراد غسل الجنابة حقيقة ففيه إشارة إلى الجِماع يوم الجمعة ليغتسل فيه من الجنابةِ، والحِكمة فيه أن تسكن نفسه في الرواح إلى الصلاةِ ولا تمتد عينه إلى شيء يراه، وفيه حمل المرأة أيضًا على الاغتسال ذلك اليوم، وعليه حَمَل قائل ذلك حديث أوس الثقفي قال:"سمعتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ مَنْ غَسّل يومَ الجمعةِ واغتسلَ، ثم بكر وابتكرَ ومشى ولم يركبْ ودنا من الإِمام واستمعَ ولم يلغُ كان له بكلِّ خطوةٍ عملُ سنةٍ أجرُ صيامِها وقيامِها" أخرجه أصحاب "السنن"، وقالَ الترمذِيّ: حديث أوس حديث حسن، وقال أيضًا: معنى "غسل" وطىء امرأته قبل الخروج إلى الصلاة، يقال غسّل الرجل امرأته وغسلها مشددًا ومخففًا إذا جامعها، وفحل غسلة إذا كان كثير الضراب. قال النووي: ذهب بعض أصحابنا إلى هذا وهو ضعيف أو باطل والصواب الأول. وقد حكاه ابن قدامة عن أحمد وثبت أيضًا عن جماعة من التابعين وقال القرطبي: إنه أنسب الأقوال، فلا وجه لادعاء بطلانه وإن كان الأول أرجح، ولعله عني أنه باطل في مذهبه.
وقوله:"ثم راح" أي: ذهب زاد في "الموطأ" في "الساعة الأولى" وصحح النووي أنها من طلوع الفجر؛ لأنه أول اليوم شرعًا، لكن يلزم منه أن يكون التأهب قبل طلوع الفجر. وقد قال الشافعي: يجزىء الغُسل إذا كان بعد الفجر، وليس المراد من الساعات الفلكية الأربعة والعشرين