قال الكرمانيّ: ليس في الآية ذكر عذاب القبر، فلعله سمى أحوال العبد في قبره عذاب القبر تغليبًا لفتنة الكافر على فتنة المؤمن، لأجل التخويف، ولأن القبر مقام الهول والوحشة، ولأن ملاقاة الملائكة مما يهاب منه ابن آدم في العادة، ونقل عبد الرزاق عن طاووس {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} لا إله إلا الله، وفي الآخرة، قال: المسألة في القبر.
وقال قتادة: أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وفي الآخرة في القبر. قلت: استدلال أهل السنة بهذه الآية، وما قبلها من الآيات السابقة على عذاب القبر، واضحٌ، ولا يرد عليه قوله {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} أي: موضع نومنا، ففيه دلالة على أن مدتهم في القبر نوم لا عذاب فيه، وأُجيب بأنَّهم لما شاهدوا أهوال القيامة عَدُّوا عذاب القبر راحة، أو لأنهم لاختلاط عقولهم، يظنون أنهم كانوا نيامًا. وقيل: رفع الله عنهم العذاب بين النفختين، فيهجعون هَجْعَة، وهذا غير صحيح، قاله ابن عطية.
رجاله رجال السند الأول، إلا شيخ المؤلف وشيخه، والأول محمد بن بشار، وقد مرَّ في الحادي عشر من العلم، والثاني غندر، وقد مرَّ في الخامس والعشرين من الإيمان.
ذكره هنا مختصرًا، وذكره في المغازي مطولًا. قوله: اطَّلع: أي شاهد أهل القليب، وحضر عندهم، وهم كثيرون، وفيهم أبو جهل بن هشام وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، اطَّلع عليهم وهم مقتولون، فقال ما قال، ثم أمر بهم، فسُحبوا فأُلقوا في قَليب بدر، والقليب، بوزن عظيم، البيرُ قبل أن يُطوى، يذكر ويؤنث، وقال أبو عبيدة: هو البشر العادِيّة القديمة، وجمع القلة أَقْلِية، والكثير قُلُب، بضمتين، والمراد به هنا قليب بدر، كما بينه في بعض الروايات بقوله:"قليب بدر".
وقوله: فقيل له، أي: للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والقائل له هو عمر، رضي الله تعالى عنه، كما صرح به في رواية أحمد ومسلم عن أنس "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك قتلى بدرٍ ثلاثًا ثم أتاهم، فقام عليهم فناداهم، فقال: يا أبا جهل بن هشام، ويا أمية بن خلف، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقًا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًا، فسمع عمر رضي الله تعالى عنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، أتناديهم بعد ثلاث؟ وهل يسمعون؟ ويقول الله تعالى {إِنَّكَ لَا