وأخرج سعيد بن منصور عن فضيل بن عمرو قلت لإبراهيم: إني أُكنَّى أبا النضر، وليس لي ولد، وأسمع الناس يقولون: مَنْ اكتنى وليس له ولد، فهو أبو جَعْر. قال إبراهيم: كان علقمة يكنى أبا شِبل، وكان عقيمًا لا يولد له.
وقوله: جَعْر بفتح الجيم وسكون المهملة، وهو ما يبس من العِذرة في المَجْعر، أي الدُّبر، وشِبل، بكسر المعجمة وسكون الموحدة، وهو ولد الأسد إذا أدرك الصيد. وأخرج المصنف في الأدب المفرد عن علقمة قال: كنّا في عبد الله بن مسعود قبل أن يولد لي، وقد كان ذلك مستعملًا عند العرب، قال الشاعر:
لها كنية عمرو وليس لها عمر
وأخرج ابن أبي شَيبة عن الزُّهريّ قال: كان رجال من الصحابة يكتنون قبل أن يولد لهم، وأخرج الطبرانيّ عن علقمة عن ابن مسعود أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كنّاه أبا عبد الرحمن قبل أن يولد له، وسنده صحيح. قال العلماء: كانوا يكنون الصبيّ تفاؤلًا بأنه سيعيش حتى يولد له، وللأمن من التلقيب، لأن الغالب أنَّ مَنْ يذكر شخصًا فيعظمه، أن لا يذكره باسمه الخاص به، فإذا كانت له كنية أَمِنَ من تلقيبه، ولهذا قال قائلهم: بادروا أبناءكم بالكنى قبل أن تغلب عليه الألقاب. وقالوا: الكنية للعرب كاللقب للعجم، ومن ثم كره للشخص أن يكني نفسه إلا إن قَصَد التعريف.
أي: مرتفعًا كسَنَم البعير، زاد أبو نعيم في "المستخرج": وقبر أبي بكر وعمر كذلك، واستدل به على أن المستحب تسنيم القبور، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد والمُزَنِيّ والكثير من الشافعية. وادعى القاضي حسين اتفاق الأصحاب عليه، وتعقب بأن جماعة من قدماء الشافعية استحبوا التسطيح، كما نص عليه الشافعي، وبه جزم الماورديّ وآخرون.
وقال البيهقي: إن قول سفيان التمار لا حجة فيه، لاحتمال أن قبره -صلى الله عليه وسلم- لم يكن في الأول مسنمًا، فقد روى أبو داود والحاكم عن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أمّه، اكشفي لي عن قبر النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه، فكشفت له عن ثلاثة قبور لا مشرفة، ولا لائطة، مبطوحة ببطحاء العَرْصَة الحمراء. زاد الحاكم "فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقدمًا، وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعمر رأسه عند رجلي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا كان في خلافة معاوية، فكأنها كانت في الأول مسطحة، ثم لما بني جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة، من قبل الوليد بن عبد الملك، صَيَّروها مرتفعة.