للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء]

أورد فيه ثلاثة أحاديث: حديث ابن عمر، وهو مقيد بما إذا جد السير. وحديث ابن عباس: وهو مقيد بما إذا كان سائرًا. وحديث أنس: وهو مطلق، واستعمل المصنف الترجمة مطلقة إشارة إلى العمل بالمطلق؛ لأن المقيد فرد من أفراده، وكأنه رأى جواز الجمع بالسفر سواء كان سائرًا أم لا، سواء كان سيرًا مجدًا أم لا، وهذا مما وقع فيه الاختلاف بين أهل العلم، فقال بالإطلاق كثير من الصحابة والتابعين. ومن الفقهاء: الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأشهب، ولكن لابد عند هؤلاء من كون السفر سفر قصر، وسواء كان في البر أو البحر. وقال قوم: لا يجوز الجمع مطلقًا إلا بعرفة ومزدلفة. وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه، ووقع عند النووي أن الصاحبين خالفا شيخهما ورده السروجي في شرح الهداية وهو أعرف بمذهبه وأجابوا عمّا ورد في ذلك من الأخبار بأن الذي وقع جمع صوري، وهو أنه أخر المغرب مثلًا إلى آخر وقتها، وعجّلِ العشاء في أول وقتها. وتعقبه الخطابي بأن الجمع رخصة، فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقًا من الإتيان بكل صلاة في وقتها؛ لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلًا عن العامة، ومن الدليل على أن الجمع رخصة قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته. أخرجه مسلم.

وأيضًا فإن الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين كما سيأتي في الباب الذي يليه، وذلك هو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع، ومما يرد العمل على أن الجمع الصوري جمع التقديم الآتي ذكره بعد باب، وأيضًا لو كان الجمع كما قالوا لجاز الجمع بين العصر والمغرب، وبين العشاء والصبح، ولا خلاف بين الأُمة في تحريم ذلك. وقيل: يختص الجمع بمن يجد به السير؛ لأمر يخاف فواته. وبه قال الليث وهو أحد قولين مشهورين عند المالكية، ولا يشترط عندهم كون السفر سفر قصر، وهو عندهم جائز لا مكروه ولا مندوب، وهذا فيمن زالت الشمس عليه أو غربت وهو راكب، فيؤخر الوقتين إن نوى النزول في الاصفرار أو قبله، وإن نوى النزول بعد الغروب أو كان يعرف وقت نزوله صلاهما جمعًا صوريًا في وقتيهما، وينزل الثلث الأول من الليل منزلة ما قبل الاصفرار، والثلثان للفجر منزلة الاصفرار، والفجر منزلة الغروب. وهذا في جمع التأخير. ويأتي جمع التقديم. وقالت الشافعية: يجوز الجمع في الجمعة والعصر تقديمًا، كما نقله الزركشي واعتمده لا تأخيرًا؛ لأن الجمعة لا يتأتى تأخيرها عن وقتها، ولا تجمع المتحيرة تقديمًا، والأفضل عندهم تأخير الأولى إلى الثانية للسائر وقت الأولى، ولمن بات بمزدلة وتقديم الثانية إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>