للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس]

أي: الشرار منهم، وراعى في الترجمة لفظ الحديث وقرينة إرادة الشرار من الناس ظاهرة من التشبيه الواقع في الحديث، والمراد بالنفي الإخراج. ولو كانت الرواية تنقي بالقاف لحمل لفظ الناس على عمومه، وقد ترجم المصنف بعد أبواب المدينة تنفي الخبث.

[الحديث الخامس]

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ: يَثْرِبُ. وَهْيَ الْمَدِينَةُ، تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِى الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ".

قال ابن عبد البر: اتفق الرواة عن مالك على إسناده إلا إسحاق بن عيسى الطباع، فقال: عن مالك، عن يحيى، عن سعيد بن المسيب -بدل سعيد بن يسار-، وهو خطأ، وتابعه أحمد بن عمر، عن خالد السلمي، عن مالك وأخرجه الدارقطني في غراب مالك وقال: هذا وهم، والصواب: عن يحيى، عن سعيد بن يسار.

وقوله: "أمرت بقرية" أي: أمرني ربي بالهجرة إليها أو سكناها، فالأول محمول على أنه قاله بمكة، والثاني على أنه قاله بالمدينة.

وقوله: "تأكل القرى" أي: تغلبهم وكنى بالأكل عن الغلبة؛ لأن الأكل غالب على المأكول، وفي موطأ ابن وهب قلت لمالك: ما تأكل القرى قال: تفتح القرى، وبسطه ابن بطال فقال: معناه يفتح أهلها القرى، فيأكلون أموالهم، ويسبون ذراريهم قال: وهذا من فصيح كلام العرب تقول العرب: أكلنا بلد كذا، إذا ظهروا عليه، وسبقه الخطابي إلى معنى ذلك أيضًا.

وقال النووي: ذكروا في معناه وجهين:

أحدهما: هذا، والآخر: أن أكلها وميرتها من القرى المفتتحة وإليها تساق غنائمها، قال ابن المنير: يحتمل أن يكن المراد بأكلها القرى غلبة فضلها على فضل غيرها، ومعناه أن الفضائل تضمحل في جنب عظيم فضلها، حتى تكاد تكون عدمًا، وما ذكره احتمالًا ذكره

<<  <  ج: ص:  >  >>