للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاضي عبد الوهاب، فقال: لا معنى لقوله: "تأكل القرى" إلا رجوح فضلها عليها، وزيادتها على غيرها، ولكن دعوى الحصر مردودة لما مضى، ثم قال ابن المنير: وقد سميت مكة أم القرى والمذكور للمدينة، أبلغ منه لأن الأمومة إذا وجدت لا ينمحي ما هي له أم، لكن يكون حق الأم أظهر وفضلها أكثر.

وقوله: "يقولون: يثرب، وهي المدينة" أي: أن بعض المنافقين يسميها يثرب واسمها الذي يليق بها المدينة، وفهم بعض العلماء من هذا كراهة تسمية المدينة يثرب، وقالوا: ما وقع في القرآن إنما هو حكاية عن قول غير المؤمنين، وروى أحمد عن البراء بن عازب رفعه: "من سمى المدينة يثرب، فليستغفر الله هي طابة، هي طابة" وروى عمر بن شبة عن أبي أيوب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يقال للمدنية يثرب، ولهذا قال عيسى بن دينار المالكي: من سمى المدينة يثرب كتبت عليه خطيئة، قال: وسبب هذه الكراهة لأن يثرب إما من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة، أو من الثرب، وهو الفساد، وكلاهما مستقبح وكان -صلى الله عليه وسلم- يحب الاسم الحسن، ويكره الاسم القبيح، وذكر أبو إسحاق الزجاج وأبو عبيد البكري أنها سميت يثرب باسم يثرب بن قانية بن مهلايل بن عيل بن عيص بن أرم بن سام بن نوح؛ لأنه أول من سكنها بعد العرب، ونزل أخوه خيبور خيبر فسميت به، وسقط بعض الأسماء من كلام البكري.

وقوله: "تنفي الناس" قال عياض: وكأن هذا مختص بزمنه لأنه لم يكن يصبر على الهجرة، والمقام بها معه، إلا من ثبت إيمانه، وقال النووي: ليس هذا بظاهر؛ لأن عند مسلم: "لا تقوم الساعة حت تنفي المدينة شرارها، كما ينفي الكبير خبث الحديد" وهذا -والله أعلم- زمن الدجال، قال في الفتح: قال: ويحتمل أن يكون المراد كلا من الزمنين، وكان الأمر في حياته عليه الصلاة والسلام كذلك للسبب المذكور، ويؤيده قصة الأعرابي الآتية بعد أبواب، فإنه عليه الصلاة والسلام ذكر هذا الحديث معللًا به خروج الأعرابي، وسؤاله الإِقالة عن البيعة، ثم يكون ذلك أيضًا في آخر الزمان؛ عندما ينزل بها الدجال، فترجف بأهلها، فلا يبقى منافق، ولا كافر إلا خرج إليه، كما يأتي بعد أبواب، وأما ما بين ذلك فلا.

وقوله: "كما ينفي الكير" أي: بكسر الكاف وسكون التحتانية، وفيه لغة أخرى كور بضم الكاف، والمشهور بين الناس أنه الزّق الذي ينفخ فيه، لكن أكثر أهل اللغة على أن المراد بالكير حانوت الحداد والصائغ، قال ابن التين: وقيل: الكير هو الزق والحانوت هو الكور، وقال صاحب المحكم: الكير الزق الذي ينفخ فيه الحداد، ويؤيد الأول ما رواه عمر بن شبة في أخبار المدينة بإسناد له إلى أبي مودود، قال: رأى عمر بن الخطاب كير حداد في السوق فضربه برجله حتى هدمه، والخبث بفتح المعجمة والموحدة بعدها مثلثة أي: وسخه الذي تخرجه النار، والمراد أنها لا تترك فيها من في قلبه دغل، بل تميزه عن القلوب الصادقة،

<<  <  ج: ص:  >  >>