قوله:"كان القنون" أي: في أول الأمر واحتج بهذا على أن قول الصحابي كنا نفعل كذا في حكم المرفوع وإن لم يقيده بزمن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما هو قول الحاكم وقد اتفق الشيخان على إخراج هذا الحديث في المسند الصحيح وليس فيه تقييد وقد اختلف في محله من الصلاة وفي أي الصلوات شرع وهل استمر مطلقًا أو مدة معينة أو في حالة دون حالة فاستدل بهذين الحديثين من القنوت في الصلوات المذكورة وعند الظاهرية القنوت فعل حسن في جميع الصلوات وعند مالك والشافعي وأحمد وإسحاق القنوت في الفجر خاصة وكذلك روى عن ابن سيرين وابن أبي ليلى وروي عن أبي بكر الصديق وباقي الخلفاء الأربعة -رضي الله عنهم- في قول لكن عند مالك أن يكون قبل الركوع والذي في كتب الحنابلة أن القنوت مكروه في غير الوتر ويكون بعد الركوع ندبًا فلو كبر ورفع يديه بعد القراءة ثم قنت قبل الركوع جاز والذي مرَّ عنهم حكاه العيني وكذا قالت الحنفية أنه في الوتر خاصة قبل الركوع والراجح عند الشافعية أنه بعد الركوع فلو قنت شافعي قبل الركوع لم يجزه لوقوعه في غير محله فيعيده بعده ويسجد للسهو قال الشافعي في "الأم": لأن القنوت عمل من أعمال الصلاة فإذا عمله في غير محله أوجب سجود السهو واستدلت المالكية والشافعية على اختصاص الصبح بالقنوت وعلى استمراره فيه بما رواه البخاري عن أنس أنه سئل أقنت النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصبح؟ قال: نعم، فقيل: أوقنت قبل الركوع؟ قال: قنت بعد الركوع يسيرًا، ومفهوم قوله بعد الركوع يسيرًا تحمل أن يكون وقبل الركوع كثيرًا ويحتمل أن يكون لا قنوت قبله أصلًا وبما أخرجه عنه أيضًا من أنه سئل عن القنوت فقال: قد كان القنوت فقلت: والقائل هو عاصم قبل الركوع أو بعده قال قبله قال: فإن فلانًا أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع فقال: كذب إلخ.
ومعنى قوله كذب أي: أخطأ وهو لغة أهل الحجاز يطلقون الكذب على ما هو أعم من العمد والخطأ ويحتمل أن يكون أراد بقوله كذب أي: كان حكى أن القنوت دائمًا بعد الركوع وهذا يرجح الاحتمال الأول من احتمال مفهوم قوله بعد الركوع يسيرًا ويبينه ما أخرجه ابن ماجه عن حميد عن أنس أنه سئل عن القنوت فقال: قبل الركوع وبعده وإسناده قوي وروى ابن المنذر من وجه آخر عن أنس أن بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قنتوا في صلاة الفجر قبل الركوع وبعضهم بعد الركوع وروى