محمد بن نصر عن أنس أن أوّل مَنْ جعل القنوت قبل الركوع دائمًا عثمان لكي يدرك الناس الركعة وبما رواه البخاري أيضًا عن أبي هريرة كان إذا رفع رأسه من الركعة الأخرة بقول أنج عياش بن أبي ربيعة إلخ قال ابن أبي الزناد عن أبيه هذا كله في الصبح وبما رواه عبد الرزاق والدارقطني وصححه الحاكم عن أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا وثبت عن أبي هريرة أنه كان يقنت في الصبح في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد وفاته فإن قيل روى الخلفاء عن الأربعة أيضًا وغيرهم ما كانوا يقنتون أجيب بأنه إذا تعارض إثبات ونفي قدم الإثبات على النفي وتمسك الشافعية في كونه بعد الركوع بالرواية المتقدمة عن أبي هريرة من كونه كان يقنت بعد رفع رأسه من الركعة الأخرة وقالوا إن رواة القنوت بعده أكثر وأحفظ فهو أولى وعليه درج الخلفاء الراشدون في أشهر الروايات عنهم وأكثرها وتمسك المالكية في كونه بعد القراءة قبل الركوع برواية عاصم عن أنس المتقدمة ففيها التصريح بكونه قبل الركوع وقد وافق عاصمًا على روايته هذه عبد العزيز بن صهيب عن أنس كما سيأتي في "المغازي" بلفظ سأل رجل أنسًا عن القنوت بعد الركوع أو عند الفراغ من القراءة قال: لا، بل عند الفراغ من القراءة.
قال في "الفتح": مجموع ما جاء عن أنس من ذلك أن القنوت للحاجة بعد الركوع لا خلاف عنه في ذلك وأما لغير الحاجة فالصحيح عنه أنه قبل الركوع وقد اختلف عمل الصحابة في ذلك والظاهر أنه من الاختلاف المباح.
قلت: يكفي المالكية من تشهير ما قالوه ما قاله صاحب الفتح هنا وتمسك الحنابلة والحنفية لقولهم لا قنوت إلا عند نازلة تنزل على المسلمين أو في الوتر بأن القنوت منسوخ فقالوا: إنه قنت شهرًا يدعو على عصية وذكوان فلما ظهر عليهم ترك القنوت وكان ابن مسعود لا يقنت في صلاته وكذلك ابن عمر قد كان روى القنوت ثم أخبر أن الله عَزَّ وَجَلَّ نسخ ذلك بقوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} إلخ، وروى أبو داود عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قنت شهرًا ثم تركه قالوا: قوله: ثم تركه يدل على أن القنوت كان في الفرائض ثم نسخ وأجيب عن هذا بأن الذي تركه هو الدعاء على هؤلاء القبائل المذكورة وتمسك الطحاوي بحديث أنس في الباب كان القنوت في الفجر والمغرب في ترك القنوت في الصبح قال: لأنهم أجمعوا على نسخه في المغرب فيكون في الصبح كذلك وقد عارضه بعضهم فقال: أجمعوا على أنه -صلى الله عليه وسلم- قنت في الصبح ثم اختلفوا هل ترك فيتمسك بما أجمعوا عليه حتى يثبت ما اختلفوا فيه وفي صحيح ابن خزيمة عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقنت إلاَّ إذا دعا لقوم أو دعا على قوم.
وأُجيب عن هذا بأنه محمول على ما بعد الركوع بناء على أن المراد بالحصر في قول أنس إنما قنت شهرًا أي متواليًا جمعًا بينه وبين الأحاديث الماضية وقال بعضهم في قول أنس في الحديث السابق كان القنوت في المغرب والفجر إنما خصهما لكونهما طرفي النهار لزيادة شرف وقتيهما رجاء إجابة الدعاء وكان تارة يقنت فيهما وتارة في جميع الصلوات حرصًا على إجابة الدعاء حتى نزلت