للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس لك من الأمر شيء فترك إِلاّ في الصبح كما روى أنس أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا كما مرَّ وتعقب هذا بأن قوله إلا في الصبح يحتاج لدليل وإلا فهو نسخ فيهما وقد ترجم البخاري في أبواب الوتر بقوله باب القنوت قبل الركوع وبعده والقنوت يطلق على معان يأتي ذكرها قريبًا والمراد به هنا الدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام قال الزين بن المنير: أثبت بهذه الترجمة مشروعية القنوت ردًا على مَنْ روى عنه أنه بدعة كابن عمر.

وفي "الموطأ" عنه أنه كان لا يقنت في شيء من الصلوات ووجه الرد عليه ثبوته من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو مرتفع عن درجة المباح قال: ولم يقيده في الترجمة بصبح ولا غيره مع كونه مقيدًا في بعض الأحاديث بالصبح وأوردها في أبواب الوتر أخذًا من إطلاق أنس في بعض الأحاديث كذا قال والظاهر أنه أشار بذلك إلى قول أنس في الطريقة المذكورة في هذا الباب كان القنوت في الفجر والمغرب لأنه ثبت أن المغرب وتر النهار فإذا ثبت القنوت فيها ثبت في وتر الليل بجامع ما بينهما من الوترية مع أنه قد ورد الأمر به صريحًا في الوتر فروى أصحاب السنن وصححه الترمذي وغيره لكنه ليس على شرط البخاري من حديث الحسن بن علي قال: علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في قنوت الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وأنه لا يذل مَنْ واليت تباركت ربنا وتعاليت" وبهذا الحديث تمسكت الحنفية والحنابلة في كون القنوت في الوتر في جميع السنة وروى البيهقي عن ابن عباس وغيره أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يعلمهم هذه الكلمات ليقنت بها في الصبح والوتر فإن نزل بالمسلمين نازلة من خوف أو قحط أو وباء أو جرادًا ونحوها استحب القنوت في سائر المكتوبات عند الشافعية والحنابلة والحنفية وإلاَّ ففي الصبح عندنا وعند الشافعية أو في أخيرة الوتر في النصف الأخير من رمضان عندهم أيضًا عملًا بما رواه البيهقي وفي القنوت عندنا خمس مناديب هو في نفسه مندوب على المشهور من أربعة أقوال نظمها شيخنا عبد الله بن محمد سالم بقوله:

يندب ويسن أو لا يشرع ... قنوت أو يفسد تركه فعوا

وكونه سرًا لأنه دعاء والدعاء يسر به وكونه في الصبح خاصة وكونه قبل الركوع لما فيه من الرفق بالمسبوق وعدم الفصل به بين ركني الصلاة المجمع عليهما الركوع والسجود وكونه باللفظ الراوي له مالك تقديمًا لرواية صاحب المذهب ووثوقًا به ولفظه المروي عنه: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد إِن عذابك للكافرين مُلحِق" وقيل في سبب اختيار هذا عند المالكية أن أصله سورتان في مصحَف ابن مسعود -رضي الله عنه- فمن قوله: اللهم إِنّا نستعينك إلى قوله: ونترك من يكفرك سورة وباقيه سورة وقد ورد في القنوت عشرون رواية.

وقوله: "اللهم" أصله يا الله حذفت الياء وعوض عنها الميم وهو مبني على ضمة مقدرة على الميم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الإِدغام وكانت فتحة للتخفيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>