المُدِّ". وعنده أيضًا من حديث أنس رضي الله تعالى عنه: "وكان عليه الصلاة والسلام يتوضَّأُ بإناء يسعُ رطلين، ويغتسِلُ بالصّاع". ولابني خزيمة وحِبان، والحاكم في "مستدركه" عن عبد الله بن زيد: "أنه عليه الصلاة والسلام أُتي بثلثي مُدٍّ من ماء، فتوضأ، فجعل يُدَلِّك ذراعيه".
وفي قوله هنا: "يدلِّك ذراعيه" تصريح بما ذهب إليه مالك في مشهور القولين عنه من وجوب الدَّلك بنفسه، والدَّلْك الواجب عنده هو إمرار اليد على العضو إمرارًا متوسِّطًا، وهذا لا يخلو منه وضوء ولم يُرو عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه اكتفى بإدخال العضو في الماء من غير أن يُمِرَّ يده عليه في وضوء ولا غُسل. والقول الثاني عن مالك أن الدَّلك واجب لا لنفسه، بل لإِيصال الماء إلى البشرة، فلو أدخل يده في ماء حتى تحقق وصول الماء للبشرة كفاه. ذلك.
والجمع بين هذه الروايات المتقدمة هو كما قال الشافعي رحمه الله تعالى: لأنها كانت اغتسالات في أحوال وجد فيها أكثر ما استعمله وأقله، وهو يدل على أنه لا حدَّ في قدر ماء الطهارة يجب استيفاؤه، بل القلة والكثرة باعتبار الأحوال والأشخاص.
وفي اختلاف الروايات رد على من قدر الوضوء والغسل بما ذكر في حديث الباب كابن شعبان من المالكية، وكذا من قال به من الحنفية، مع مخالفتهم له في مقدار المد والصاع. وحمله الجمهور على الاستحباب؛ لأن أكثر من قدر وضوءه وغسله صلى الله تعالى عليه وسلم من الصحابة قدرهما بذلك، ففي "مسلم" عن سَفينة مثله. ولأحمد وأبي داود بإسناد صحيح عن جابر مثله، وهذا إذا لم تدع الحاجة إلى الزيادة، وهو أيضًا في حق من يكون خلقه معتدلًا، وإلى هذا أشار المصنف في أول كتاب الوضوء بقوله: "وكره أهل العلم الإِسراف فيه، وأن يجاوِزوا فعل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم".
[رجاله أربعة]
الأول: أبو نُعيم الفضل بن دُكَيْن مرّ في السادس والأربعين من كتاب