للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب قول الله عز جل لا يسألون الناس الحافًا. وكم الغنى

وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يجد غنى يغنيه لقول الله عَزَّ وَجَلَّ للفقراء الذين احصروا في سبيل الله إلى قوله فإن الله به عليم.

قوله: إلحافًا، أي: سؤالًا إلحاحًا وإبرامًا. قال الطبري: ألحف السائل في مسألته إذا ألح، فهو مُلْحِف فيها. وقوله: لقول الله عَزَّ وَجَلَّ، اللام فيه لام التعليل، لأنه أورد الآية تفسيرًا لقوله في الترجمة: وكم الغنى، وكأنه يقول: وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "ولا يجد غنى يغنيه" مبين لقدر الغنى، لأن الله تعالى جعل الصدقة للفقراء الموصوفين بهذه الصفة، أي: من كان كذلك، فليس بغنيّ، ومن كان بخلافها فهو بغنيّ، فحاصله أن شرط السؤال عدم وجدان الغنى، لوصف الله الفقراء بقوله {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} أي: تجارة؛ لأن من وجد ضربًا في الأرض فهو واجد لنوع من الغنى، والمراد بالذين أَحْصِروا الذين حصرهم الجهاد، أي: منعهم الاشتغال به من الضرب، في الأرض، أي: التجارة، لاشتغالهم به عن التكسب.

قال ابن علية: كل مَحِيط يَحْصُر، بفتح أوله وضم الصاد، والأعذار المانعة تُحصِر، بضم المثناة وكسر الصاد، أي تجعل المرء كالمحاط به، و"للفقراء" يتعلق بمحذوف تقديره الإنفاق المقدم ذكره لهؤلاء. وأما قول المصنف في الترجمة: وكم الغنى، فلم يذكر فيه حديثًا صريحًا، فيحتمل أنه أشار إلى أنه لم يرد فيه شيء على شرطه، ويحتمل أن يستفاد المراد من قوله في حديث أبي هريرة "الذي لا يجد غنى يغنيه" فإن معناه لا يجد شيئًا يقع موقعًا من حاجته، فمن وجد ذلك كان غنيًا، وقد ورد فيه ما أخرجه التِّرمذيّ وغيره عن ابن مسعود، مرفوعًا "من سأل الناس وله ما يغنيه، جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش. قيل: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال: خمسون درهمًا، أو قيمتها من الذهب".

وفي إسناده حكيم بن جُبير، وهو ضعيف، وقد مرَّ حديث أبي سعيد عند النَّسائي في باب الاستعفاف، وفيه "من سأل وله أوقية فقد ألحف" وأخرجه ابن حِبّان في صحيحه بلفظ "فهو مُلْحِف" وعند النَّسائي بلفظ "فهو المُلْحِف" وأخرج أبو داود عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد له صحبة، في أثناء حديث مرفوع ق فيه: "من سأل منكم وله أوقية أو عَدْلها، فقد سأل إلحافًا". وأخرج أبو داود أيضًا، وصححه ابن حِبّان عن سهل بن الحنظلية، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار، فقالوا: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال: قدر ما يغذيه

<<  <  ج: ص:  >  >>