للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد مرّ أول الباب أن أرجح الأقوال حديث أبي موسى وعبد الله بن سلام، ومرّ تقرير ذلك مبسوطًا، وقد قال ابن المنير: إذا علم أن فائدة الإبهام لهذه الساعة ولليلة القدر بعث الداعي على الإكثار من الصلاة والدعاء، ولو بيّن لاتكل الناس على ذلك وتركوا ما عداها، فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها.

وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما مرّ فضل يوم الجمعة لاختصاصه بساعة الإجابة. وفي "مسلم" أنه خير يوم طلعت عليه الشمس، وفيه فضل الدعاء واستحباب الإكثار منه واستدل به على بقاء الإجمال بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتعقب بأن الاختلاف في بقاء الإجمال في الأحكام الشرعية لا في الأمور الوجودية كوقت الساعة؛ فهذا لا خلاف في إجماله والحكم الشرعي المتعلق بساعة الجمعة وليلة القدر، وهو تحصيل الأفضلية يمكن الوصول إليه والعمل بمقتضاه باستيعاب اليوم أو الليلة، فلم يبقَ في الحكم الشرعي إجمال.

[رجاله خمسة]

قد مرّوا: مرّ عبد الله بن مسلمة في الثاني عشر من "الإيمان"، ومرّ أبو الزناد والأعرج في السابع منه، وأبو هريرة في الثاني منه، ومرّ مالك في الثاني من "بدء الوحي". أخرجه مسلم في الجمعة والنسائي. ثم قال المصنف:

باب إذا نفر الناس عن الإِمام في صلاة الجمعة فصلاة الإمام ومَنْ بقي جائزة

قوله "جائزة" بالرفع خبر المبتدأ الذي هو فصلاة الإِمام، وللأصيلي تامة وظاهر الترجمة أن استمرار الجماعة الذين تنعقد به الجمعة إلى تمامها ليس بشرط في صحتها، بل يشترط أن تبقى منهم بقية ما، ولم يتعرض المؤلف لعددمن تنعقد بهم الجمعة؛ لأنه لم يجد فيه شيئًا على شرطه.

وقد مرّ في باب الجمعة في القرى والمدن أن مذهب الشافعية والحنابلة اشتراط أربعين منهم الإِمام بشروطها المارة في الباب المذكورة، واستدلوا بحديث ابن عباس المذكور هناك، وبحديث كعب بن مالك قال: "أول من جمّع بنا في المدينة أسعد بن زرارة قبل مقدمه عليه الصلاة والسلام في نقيع الخضمات، وكنا أربعين رجلًا" رواه البيهقي وغيره وصححوه. وروى البيهقي أيضًا أنه -صلى الله عليه وسلم- جمع بالمدينة وكانوا أربعين رجلًا وعورض بأنه لا يدل على شرطيته، وأجيب بما قاله في "المجمع" من أن وجه الدلالة من حديث كعب بن مالك أن الأمة أجمعوا على اشتراط العدد والأصل الظهر، فلا تصح الجمعة إلا بعدد ثبت فيه توقيت. وقد ثبت جوازها بأربعين، وثبت "صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي" ولم تثبت صلاته لها بأقل من ذلك، فلا تجوز بأقل منه.

وقد مرّ في الباب المذكور أن مشهور مذهب مالك عدم التحديد بعدد محصور، ومرّ هناك ما تجب به عندهم، ولكن أقل ما تصح به اثنا عشر باقين إلى سلامها مع الإمام حتى إن بطلت على واحد منهم بطلت على الجميع بشرط أن يكونوا مستوطنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>