بالصلاة والزكاة والصلة والعَفاف" أورده هنا مختصرًا جدًا، وقد جاء مطولًا آخر بدء الوحي، واقتصر هنا على قوله: "يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعَفاف" ودلالته على الوجوب ظاهرة، وهذا التعليق ذكره موصولًا مراتٍ أولها في آخر بدء الوحي، وقد مرَّ ابن عباس في الخامس من بدء الوحي، ومرَّ أبو سفيان في السابع منه.
هذا الحديث دلالته على وجوب الزكاة أوضح من الذي قبله. قوله: ادعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وفي رواية التوحيد "إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن توحدوا الله تعالى" وأهل الكتاب هم اليهود، وكان ابتداء دخول اليهودية في اليمن زمن أسعد ذي كرب، وهو تُبَّع الأصغر، كما ذكره ابن إسحاق في السير، فقام الإِسلام وبعض أهل اليمن على اليهودية.
ودخل دين النصرانية على اليمن بعد ذلك، لما غلبت الحبشة على اليمن. وكان منهم أبرهة صاحب الفيل الذي غزا مكة، وأراد هدم الكعبة حتى أجلاهم عنه سيف بن ذي يَزَن، فلم يبق بعد ذلك باليمن أحدٌ من النصارى أصلًا إلا بنجران، وهي بين مكة واليمن، وبقي ببعض بلاده قليل من اليهود، وكان بَعْثُه عليه الصلاة والسلام معاذاً إلى اليمن عند انصرافه من تبوك، سنة تسع. وزعم ابن الحذّاء أن ذلك كان في شهر ربيع الآخر سنة عشر، وقدم في خلافة أبي بكر، رضي الله عنه، في الحجة التي حج عمر عنه فيها، وفي الطبقات في شهر ربيع الآخر سنة تسع، وفي "كتاب الصحابة" للعسكريّ: بعثه عليه الصلاة والسلام واليًا على اليمن، وفي الاستيعاب "لما خلع من ماله لغرمائه بعثه -صلى الله عليه وسلم- وقال: لعل الله أن يَجْبُرَك، وبعثه أيضًا قاضيًا، وجعل إليه قبض الصدقات من العمال الذين باليمن.
وقوله في رواية التوحيد:"فإذا عرفوا الله" قال على أن أهل الكتاب لا يعرفون الله؛ لأن من شبهه وجسمه من اليهود أو أضاف إليه الولد أو الصاحبة أو أجاز الحلول والانتقال عليه والامتزاج، من النصارى، أو وصفه بما لا يليق به أو أضاف إليه الشريك، لم يعرفه، فمعبودهم الذي يعبدونه