فيه التحديث بصيغة الجمع والعنعنة والقول، ورواته ما بين بصريين وثلاثة مدنيين، وفيه رواية ثلاثة من التابعين عن بعضهم، وقد مرَّ في الوضوء من أخرجه. ثم قال المصنف:
[باب إذا لم ينو الإمام أن يؤم ثم جاء قوم فأمهم]
قوله: أن يؤم، أن مصدرية، أي الإمامة، ولم يجزم بحكم المسألة لما فيه من الاحتمال, لأنه ليس في حديث ابن عباس التصريح بأن النبي-صلى الله عليه وسلم- لم ينو الإمامة، كما أنه ليس فيه أنه نوى، لا في ابتداء صلائه ولا بعد أن قام ابن عباس فصلى فعه، لكن في إيقافه اياه منه موقف المأموم ما يشعر بالثاني، وأما الأول فالأصل عدمه، وهذه المسألة مختَلَف فيها. فمذهب المالكية أنه لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوي الإمام الإمامة إلا في الجمعة وفي الجمع ليلة المطر خاصة، فقيل: عند كل صلاة من الصلاتين، وهو المشهور وقيل عند الثانية فقط، لظهور أثر الجمع فيها، وإلا في صلاة الخوف الذي أديت فيه على هيئتها بطائفتين، وإلا الإمام المستخلَف, لأنه يلزمه أن ينوي الإمامة، ليميز بين نية الإمامية والمأمومية.
وإنما وجبت نية الإمامة في هذه الأربعة لأن الجماعة شرط في صحتها, لكن قال بعضهم: إن النية الحكمية تكفي، فتقدُّم الإمام دال عليها، فاشتراط النية في صحة الصلاة في هذه الأربع لا فائدة فيه. واختلف عندهم في حصول فضل الجماعة، هل لابد فيه من نية أو لا؟ والمشهور الثاني. والأصح عند الشافعية أنها لا تشترط في صحة الاقتداء به، نعم تستحب له لينال فضيلة الجماعة. وقال القاضي حُسَين فيمن صَلّى منفردًا فاقتدى به جمع، ولم يعلم بهم: ينال فضل الجماعة لأنهم نالوها بسببه. واستدل ابن المنذر على عدم اشتراطها بحديث أنس "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، صلي في شهر رمضان، قال: فجئت فقمت إلى جنبه، وجاء آخر فقام إلى جنبي حتى كنا رهطًا، فلما أحسّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بنا، تجوز في صلاته .. " الحديث، وهو ظاهر في أنه لم ينو الإمامة ابتداء، وائتموا هم به وأقرهم، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم، وعلقه البخاريّ كما يأتي في كتاب الصيام، إن شاء الله تعالى.
وذهب أحمد إلى التفرقة بين النافلة والفريضة، فشرط أن ينوي في الفريضة دون النافلة، وفيه نظر، لحديث أبي سعيد أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا يصلي وحده فقال:"ألا رجل يتصدق على هذا فَيُصلي معه؟ " أخرجه أبو داود وحَسَّنُه التِّرمِذِيّ وصححه ابن خُزَيْمَة وابن حِبّان، وعند الحنفية نية الإمام الإمامة في حق الرجال ليست بشرط, لأنه لا يلزمه باقتداء المأموم حكم، وفي حق النساء شرط عندنا، لاحتمال فساد صلاته بمحاذاتها إياه، وعن ابن القاسم مثل مذهب أبي حنيفة وقال الثَّورِي ورواية عن أحمد وإسحاق على المأموم الإعادة إذا لم ينوِ الإمام الإمامة.