فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع، والعنعنة في خمسة مواضع، ورواته ما بين بصريّ ومروزيّ وكوفيّ. وفيه ثلاثة من التابعين: الأعمش ومن بعده، أخرجه البخاري في البيوع عن مسلم بن إبراهيم ومحمد بن بشار، وفي التفسير عن بشر بن خالد ومحمد بن بشار، ومسلم وأبو داود في البيوع، والنّسائي فيها وفي التفسير، وابن ماجه في الأشربة. ثم قال المصنف:
[باب الخدم للمسجد]
ولكريمة: الخدم في المسجد، وكان الأولى ذكر هذا الباب قبل سابقه، ثم قال: وقال ابن عباس نذرت لك ما في بطني محررًا للمسجد يخدمه، رضي الله تعالى عنهما، مما وصله ابن أبي حاتم بمعناه، في تفسير قوله تعالى، إخبارًا عن حَنَّة، بفتح الحاء وتشديد النون، بنت فاقوذ، امرأة عِمران، وكانت عاقرًا، فرأت طيرًا يزق فرخه، فاشتهت الولد، فسألت الله تعالى أن يهبها ولدًا فاستجاب الله دعاءها، فواقعها زوجها، فتحملت منه، فلما تحققت الحمل، قالت: ما أخبر الله تعالى به عنها.
قوله: محررًا، أي معتقًا، وقوله: يخدمه، أي لا أشغله بشيء غيره، ولأبي ذرٍّ "يخدمها" أي المساجد أو الصخرة أو الأرض المقدسة، والظاهر أنه كان في شرعهم صحة النذر في أولادهم، وكان غرض البخاريّ الإِشارة بإيراد هذا إلى أن تعظيم المسجد بالخدمة كان مشروعًا عند الأمم السالفة، حتى إن بعضهم وقع نذر ولده لخدمته، ومناسبة ذلك لحديث الباب من صحة تبرع تلك المرأة بإقامة نفسها لخدمة المسجد، لتقرير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لها على ذلك. وقولها:{رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} قالته تحسرًا أو تحزنًا, لأنها كانت ترجو أن تلد ذكرًا تحرره للمسجد، فتقبلها ربها، فرضي بها في النذر مكان الذكر بقبول حسن، وجه حسن تقبل به النذائر، وهو إقامتها مقام الذكر، وابن عباس مرَّ في الخامس من بدء الوحي، وهذا التعليق ذكره الضحاك عن ابن عباس في تفسيره.