أنتم أصحابي، إخواني الذين لم يَروني، وصدَّقوا بي، وَأَجَلُّوني حتى إني لَأحَبُّ إلى أحدهم من ولده ووالده" قالوا: يا رسول الله، أما نحن إخوانك؟ قال: "لا، بل أنتم أصحابي، ألا تحب يا أبا بكر قومًا أحبوك بحبي إياك، قال: فأحبهم ما أحبوك بحبي إياك".
ثم اعلم أن الصحابة على ثلاثة أصناف، الأول: المهاجرون، والثاني: الأنصار وهم الأوس والخزرج وحلفاؤهم ومواليهم، والثالث: من أسلم يوم الفتح، قال ابن الأثير في "الجامع": والمهاجرون أفضل من الأنصار، وهذا على سبيل الإِجمال. وأما على سبيل التفصيل: فإن جماعة من سُبّاق الأنصار أفضل من جماعة من متأخري المهاجرين، وإنما سباق المهاجرين أفضل من سُبّاق الأنصار، ثم هم بعد ذلك متفاوتون، فرب متأخر في الإِسلام أفضل من متقدم عليه مثل عمر بن الخطاب وبلال بن حَمامة.
[في فضل أحد من المتأخرين على أحد من الصحابة]
وأما ما تقدم من كون الحديث يقتضي أن تكون الصحابة أفضل من التابعين، والتابعون أفضل من أتباع التابعين فهو حق، ولكن هل هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد؟ محل بحث.
قال في "الفتح": وإلى الثاني نحا الجمهور، والأول قول ابن عبد البر، والذي يظهر أن من قاتل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أو في زمانه بأمره أو أنفق شيئًا من ماله بسببه لا يعدله في الفضل أحد بعده كائنًا مَنْ كان، وأما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث، والأفضل في ذلك قوله تعالى:{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}[الحديد: ١٠].
وقال ابن عبد البر: إنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة أفضل ممن كان في جملة الصحابة، وإن قوله عليه الصلاة والسلام: "خَيرُ الناس قَرني" ليس على عمومه، بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول،