قوله: بالليل، في رواية الكشميهنيّ "من الليل"، وهو أوفق للفظِ الآية، وسفطت البسملة من رواية أبي ذَرٍّ. وقصد البخاريّ إثبات مشروعية قيام اللّيل مع عدم التَعرَّض لحكمه، وقد أجمعوا إلا شذوذًا من القدماء على أن صلاة الليل ليست مفروضة على الأُمة، واختلفوا في كونها من خصائص النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. وسيأتي في الباب الخامس تصريح البخاريّ بعدم وجوبه على الأُمة، وقد ذكر بعض السلف أنه يجب على الأُمة قيام الليل ما يقع عليه الاسم، ولو قدر حَلْب شاة. وقال النّوويّ: هذا غلط مردود، وقيام الليل أمر مندوب إليه، وسنته متأكدة. قال أبو هريرة، كما عند مسلم: أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل، فإنْ قسمتَ الليل نصفين فالنصف الآخر أفضل، وإن قسمته أثلاثًا فالأوسط أفضل، وأفضل منه صلاة السدس والرابع والخامس، لحديث ابن عمر في صلاة داود عليه الصلاة والسلام.
ويكره أن يقوم كل الليل لقوله -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما:"بلغني أنك تقوم الليل؟ قلت: نعم، قال: لكني أصلي وأنام، فمَنْ رغب عن سُنّتي فليس مني". فإن قيل: ما الفرق بينه وبين صوم الدهر غير أيام النهي فإنه لا يكره عند الشافعية، قيل له: صلاة الليل تضر بالعين وسائر البدن، بخلاف الصوم، فإنه يستوفي في الليل ما فاته من أكل النهار، ولا يمكنه نوم النهار إذا صلّى اللّيل، لما فيه من تفويت مصالح دنياه وعياله، وأما بعض الليالي فلا يكره إحياؤها، مثل العشر الأواخر من رمضان، وليلتي العيد.
وقوله:"فتهجد به" زاد أبو ذر في روايته "سهر به" حكاه الطبريّ أيضًا. وفي المجاز لأبي عبيدة قوله:"فتهجد به، أي اسهر بصلاتك" وتفسير التهجد بالسهر معروف في اللغة، وهو من الأضداد، يقال: تَهجّدَ إذا سَهر، وتهجَد إذا نام، قاله الجوهريّ وغيره، ومنهم مَنْ فرّق بينهما، فقال: هَجدتُ نمتُ، وتهجدتُ سهرتُ، فعلى هذا أصل الهجود النوم، ومعنى تهجدت طرحت عني النوم. وقال الطبريُّ: التهجد السهر بعد نومه، ثم ساقه عن جماعة من السلف. وقال ابن فارس: المتهجد: المصلي ليلًا. وقال كُرَاع: التهجد: صلاة الليل خاصة.
وقوله:"نافلة لك" النافلة في اللغة الزيادة، فقيل: معنا عبادة زائدة في فرائضك. وروى الطبريَّ عن ابن عباس أن النافلة للنبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة، لأنه أمر بقيام الليل، وكتب عليه دون أُمته،