{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} يوم بدر، ولم ينقل أن أبا سفيان قدم المدينة قبل بدر وعلى هذا، فيحتمل أن يكون أبو طالب كان حاضرًا ذلك، فلذلك قال: وأبيضَ يُستسقى الغمامُ بوجهه .. البيت لكن سيأتي في الباب المذكور ما يدل على أن القصة المذكورة وقعت (بالمدينة) فإن لم يحمل على التعدد، وإلا فهو مشكل جدًا وسيأتي إتمام الكلام على ذلك في الباب المذكور. وقد ذكر ابن التين أن في شعر أبي طالب هذا دلالة على أنه كان يعرف نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يبعث لما أخبره به بحَيْرَى أو غيره من شأنه. وفيه نظر، لما ذكر ابن إسحاق أن إنشاد أبي طالب لهذا الشعر كان بعد المبعث. قال في "الفتح": ومعرفة أبي طالب لنبوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءت في الكثير من الأخبار، وتمسك بها الشيعة في أنه كان مسلمًا، ورأيت لعلي بن حمزة جزأ فيه شعر أبي طالب، وزعم في أوله أنه كان مسلمًا وأنه مات على الإِسلام، وأن الحشوية تزعم أنه مات على الكفر، وأنهم لذلك يستجيزون لعنه وسبه، ثم بالغ في سبهم والرد عليهم واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه.
وقد بينت فساد ذلك كله في ترجمة أبي طالب الآتية قريبا في سند هذا الحديث.
[رجاله خمسة]
قد مرّوا: مرّ عمرو بن علي في السابع والأربعين من "الوضوء"، ومرّ عبد الرحمن بن عبد الله في الثامن والثلاثين منه، ومرّ أبو قتيبة في الثلاثين من الجمعة، ومرّ عبد الله بن دينار في الثاني من "الإيمان"، ومرّ ابن عمر في أوله قبل ذكر حديث منه. وفي الحديث ذكر أبي طالب، وها أنا أذكر تعريفه تبعًا للإصابة فأقول: أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي عم النبي -صلى الله عليه وسلم- شقيق أبيه، أمهما فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومية، اشتهر بكنيته واسمه عبد مناف على المشهور، وقيل عمران. وقال الحاكم: أكثر المتقدمين على أن اسمه كنيته، ولد قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- بخمس وثلاثين سنة، ولما مات عبد المطلب أوصى بمحمد -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي طالب، فكفله وأحسن تربيته وسافر به صحبته إلى الشام وهو شاب ولما بعث قام في نصرته وذبَّ عنه من عاداه ومدحه في عدة مدائح منها قوله لما استسقى لأهل (مكة) فسقوا:
وشَقَّ له من إسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد
قال ابن عيينة عن علي بن زيد:"ما سمعت أحسن من هذا البيت". وأخرج أحمد من طريق حبة العرني قال:"رأيت عليًا ضحك على المنبر حتى بدت نواجده تذكر قول أبي طالب، وقد ظهر علينا وأنا أصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ببطن نخلة فقال: ماذا يصنعان فدعاه إلى الإِسلام، فقال ما بالذي تقول من بأس ولكن والله لا يعلو استي أبدًا".
وأخرج البخاري في "التاريخ" عن عقيل بن أبي طالب قال: "قالت قريش لأبي طالب إن ابن