أخيك هذا قد آذانا. فقال: يا عقيل ايتني بمحمد. قال: فجئت به في الظهيرة فقال: إن بني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم فانتهِ عن أذاهم. فقال: أترون هذه الشمس؟ فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك. فقال أبو طالب والله ما كذب ابن أخي قط".
وأخرج عبد الرزاق عن حبيب بن أبي ثابت عن من سمع ابن عباس في قوله تعالى:{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} قال نزلت في أبي طالب كان ينهى عن أذى النبي -صلى الله عليه وسلم- وينأى عما جاء به. وأخرج ابن عدي عن أنس قال: "مرض أبو طالب فعاده النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا ابن أخي ادعُ ربك الذي بعثك يعافيني. فقال: اللهم اشفِ عمي فقام كأنما نشط من عقال، فقال يا ابن أخي إن ربك ليطيعك فقال وأنت يا عماه لو أطعته ليطيعك". وفي زيادات يونس بن بكير عن أبي السفر قال: بعث أبو طالب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال أطعمني من عنب جنتك. فقال إن الله حرمها على الكافرين". وذكر جمع من الرافضة أنه مات مسلمًا وتمسكوا بما نسب إليه قوله:
ودعوتني وعلمت أنك صادق ... ولقد صدقت وكنت قبل أمينا
ولقد علمت بأنّ دين محمد ... من خير أديان البرية دينا
ولا دلالة لهم في هذين البيتين، فإن العلم وحده لا يثبت به الإيمان فلابد معه من الإذعان فقد قال الله تعالى إخبارًا عن اليهود {يَعْرفونَهُ كلمَا يَعْرفُونَ أبْنَاءَهُمْ} وقال تعالى في مخاطبة موسى عليه السلام لفرعون {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فلو كان العلم وحده كافيًا في الإيمان كانت اليهود وفرعون مسلمين، فكفره كفر عناد لا كفر إنكار.
وقال ابن عساكر في ترجمته قيل إنه أسلم ولا يصح إسلامه، وألف بعض الروافض تأليفًا أثبت فيه إسلام أبي طالب مستدلًا على ذلك بأحاديث منها: ما رواه يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن العباس بن عبد الله بن سعيد بن العباس عن بعض أهله عن ابن عباس قال: "لما أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا طالب في مرضه قال: يا عم "قلْ لا إله إلا الله كلمة استحل لك بها الشفاعة يوم القيامة. قال يا ابن أخي: والله لولا أن تكون مشقة عليّ وعلى أهلي من بعدي يرون أني قلتها جزعًا عند الموت لقلتها لا أقولها إلا لأسرك بها، فلما ثقل أبو طالب رؤي يحرك شفتيه فأصغى إليه العباس فسمع قوله، فرفع رأسه فقال قد قال والله الكلمة التي سأل عنها" وهذا الحديث سنده واهٍ جدًا وفيه الجهالة في قوله عن بعض أهله، وهذا كاف في بطلانه وعلى تقدير ثبوته فقد عارضه ما هو أصح منه ففي "الصحيحين" عن سعيد بن المسيب عن أبيه "أن أبا طالب لما حضرتْهُ الوفاة دخلَ عليه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وعندَهُ أبو جهل وعبدُ الله بنُ أبي أميةَ فقال: يا عمُّ قلْ لا إله إلاَّ الله كلمةً أُحاج لكَ بها عندَ الله، فقال له أبو جهل وعبدُ الله بنُ أبي أميةَ: أترغبُ عن ملةِ عبدِ المطلب، فلم يزالا به حتى قال آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب. فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأستغفرنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك، فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} وقوله تعالى: {إنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ} الخ الآية، فهذا الصحيح يرد الرواية التي ذكرها ابن إسحاق إذ لو كان قال كلمة التوحيد ما نهى الله تعالى نبيه