جزم بهذه المسألة مع وقوع الخلاف فيها لضعف دليل المخالف عنده، ويأتي قريبًا من خالف في ذلك. ثم قال وكذا يذكر عن عمر وعلي والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث -رضي الله تعالى عنهم- قيل إنما اقتصر على هؤلاء من الصحابة دون غيرهم؛ لأنهم نقل عنهم خلافه وفيه نظر؛ لأنه لا خلاف عن علي ومن بعده في ذلك وأغرب ابن العربي فنقل الإجماع على أنها لا تجب حتى تزول الشمس إلا ما نقل عن أحمد بن حنبل أنه إن صلّاها قبل الزوال أجزأ.
وقد نقل ابن قدامة وغيره عن جماعة من السلف، ويأتي قريبًا من نقل عنه أما أثر عمر، فقد
روى ابن أبي شيبة عن سويد بن غفلة "أنه صلّى مع أبي بكر وعمر حين زالت الشمس" إسناده قوي. وفي "الموطأ" عن مالك بن أبي عامر قال: "كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربي فإذا غشيها ظل الجدار، خرج عمر" وإسناده صحيح وهو ظاهر في أن عمر كان يخرج بعد زوال. والظاهر أنها كانت تفرش له داخل المسجد، وعليه كان عمر يتأخر بعد الزوال قليلًا.
وفي حديث السقيفة عن ابن عباس قال:"فلما كان يوم الجمعة وزالت الشمس، خرج عمر فجلس على المنبر". وأما علي فروى ابن أبي شيبة عن أبي إسحاق "أنه صلّى خلف علي الجمعة بعدما زالت الشمس" إسناده صحيح.
وروى أيضًا عن أبي رزين قال:"كنا نصلّي مع علي الجمعة أحيانًا نجد فيئًا وأحيانًا لا نجد"، وهذا محمول على المبادرة عند الزوال أو التأخير قليلًا. وأما النعمان بن بشير فرواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سماك بن حرب قال:"كان النعمان بن بشير يصلّي بنا الجمعة بعدما تزول الشمس" وكان النعمان أميرًا على الكوفة في أول خلافة يزيد بن معاوية، وأما عمرو بن حريث فأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا عن الوليد بن العيزار قال:"ما رأيت إمامًا كان أحسن صلاة للجمعة من عمرو بن حريث، فكان يصلّيها إذا زالت الشمس" إسناده صحيح.
وكان عمرو ينوب عن زياد وولده بالكوفة وأما ما يعارض ذلك من الصحابة، فروى أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب "الصلاة" له وابن أبي شيبة عن عبد الله بن سيدان قال: "شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار وشهدتها مع عمر -رضي الله تعالى عنه- فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد انتصف النهار".