للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتحب أن تطوى لك الأرض فتصلي عليه؟. قال: نعم، فضرب بجناحه على الأرض، ورفع له سريره، وخلفه صفّان من الملائكة، في كل صف سبعون ألف ملك، ثم رجع، وقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لجبريل: بم أدْرَكَ هذا؟ قال: بحبه سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وقراءته إياها جاثيًا، وذاهبًا، وقائمًا، وقاعدًا، وعلى كل حال.

واستدل من قال بتخصيص النجاشيّ بذلك إلى ما تقدم من إرادة إشاعة أنه مات مسلمًا، أو استئلاف فلوب الملوك الذين أسلموا في حياته، قلت: أَوَّلَ المخالفون في الصلاة في المسجد خروجه بهذا المعنى، ونحن نستدل عليهم به في الصلاة على النجاشي، وقال النووي: لو فتح باب هذا الخصوص لانسد كثير من ظواهر الشرع، مع أنه لو كان شيء مما ذكروه لتوفرت الدواعي على نقله. قلت: هذه المسألة إذا اعتبرت خصوصية للنجاشيّ، لا تسد شيئًا من ظواهر الشرع، واحتفَّ بها من القرائن مما يدل على الخصوص ما تقدم، وما وقع من صلاته عليه الصلاة والسلام على معاوية المزنيّ، بعد رفع سريره له، على أنه ما صلى على النجاشيّ إلا كذلك.

والحاصل أن مسألة النجاشيّ فيها من الاحتمالات القوية ما يوجب سقوط الاستدلال بها، والذين قالوا بجواز الصلاة على الغائب ليس لهم دليل سواه، وأجمع كل من أجاز الصلاة على الغائب، أن ذلك يُسقِط فرض الكفاية، إلا ما حُكي عن ابن القَطّان، أحد أصحاب الوجوه من الشافعية، أنه قال: يجوز ذلك، ولا يسقط الفرض. وقال الأَذْرُعيّ ينبغي أنها لا تجوز على الغائب، حتى يعلم أو يظن أنه قد غسل، إلا أن يقال: تقديم الغسل شرط عند الإِمكان فقط، ولا تجوز على الغائب في البلد، وإن كبرت، لتيسر الحضور. وفي الرافعي: ينبغي أن لا يكون بين الإِمام والميت أكثر من مثتي ذراع، أو ثلاث مئة تقريبًا، ولو صلوا على الأموات الذين ماتوا في قرية، وغسلوا في البلد الفلاني، ولا يعرف عددهم جاز، قاله في "البحر"، وتأتي زيادة على هذا في باب الصلاة على الجنائز بالمصلى.

[رجاله خمسة]

قد مرّوا، وفيه ذكر النجاشيّ. وإسماعيل بن أبي أُوَيس في الخامس عشر من الإِيمان، وابن المُسَيَّب في التاسع عشر منه. وأبو هُريرة في الثاني منه ومرَّ مالك في الثاني من بدء الوحي وابن شهاب في الثالث منه.

والنجاشي، بفتح النون وكسرها وتشديد الياء وتخفيفها، كلمة للحبشة، تسمى بها ملوكها، والمتأخرون منهم يلقبونه الأَبْحَري. واسمه أصْحَمَة، بفتح الهمزة وسكون الصاد وفتح الحاء المهملتين، ومعناه عطية ابن أبجر، بهمزة، وفي طبقات ابن سعد: لما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من

<<  <  ج: ص:  >  >>