جئت انظر إليه هل أرى الصفة التي قال عبد الله بن عمرو، فلم أرها، قيل: هذا الحديث يخالف قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا}؛ ولأن الله حبس عن مكة الفيل، ولم يمكن أصحابه من تخريب الكعبة، ولم تكن إذ ذاك قبلة، فكيف يسلط عليها الحبشة بعد إن صارت قبلة للمسلمين، وأجيب بأن ذلك محمول على أنه يقع في آخر الزمان قرب قيام الساعة، بحيث لا يبقى في الأرض أحد يقول:"الله الله"، كما ثبت في "صحيح مسلم": "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله"، ولهذا وقع في رواية سعيد بن سمعان: لا يعمر بعده أبدًا، قلت: وأوضح من هذا الجواب أن عدم تسليط أصحاب الفيل عليه كان لوجود النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك، وإقامة الدين في هذه المدة الطويلة، وتسليط الحبشة عليه كان لخراب الدين وانقضائه، وقد وقع قبل ذلك فيه من القتال وغزو أهل الشام له في زمن يزيد بن معاوية، ثم من بعده في وقائع كثيرة من أعظمها وقعة القرامطة بعد الثلاثمائة، فقتلوا من المسلمين في المطاف من لا يحصى كثرةً، وقلعوا الحجر الأسود، فحولوه إلى بلادهم، ثم أعادوه بعد مدة طويلة، ثم غُزِي مرارًا بعد ذلك، وكل ذلك لا يعارض قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا}؛ لأن ذلك إنما وقع بأيدي المسلمين، فهو مطابق لقوله عليه الصلاة والسلام:"ولن يستحل هذا البيت إلا أهله" فوقع ما أخبر به -صلى الله عليه وسلم- وهو من علامات نبوته وليس في الآية ما يدل على استمرار الأمن المذكور فيها، وسيأتي في الباب الذي بعد باب زيادة في هذا، قلت: ما جاء في الأحاديث السابقة من أن ذا السويقتين يستخرج كنز الكعبة لا أدري معناه؛ لأن الكعبة الآن، ومنذ مدة طويلة لا كنز لها اللهم إلا تكون يطرأ لها كنز.
[رجاله ستة]
مرَّ منهم علي ابن المديني في الرابع عشر من العلم، ومرَّ ابن عيينة في الأول من بدء الوحي، ومرَّ الزهري في الثالث منه، وابن المسيب في التاسع عشر من الإيمان, وأبو هريرة في الثاني منه، والباقي زياد بن سعد بن عبد الرحمن الخراساني أبو عبد الرحمن، سكن مكة، ثم تحول إلى اليمن، فسكن قرية يقال لها: عك، وكان شريك ابن جريج، قال مالك: حدثنا زياد بن سعد، وكان ثقة من أهل خراسان؛ سكن مكة وقدم علينا المدينة، وكان له هيئة وصلاح، وقال ابن عيينة: كان عالمًا بحديث الزهري، وكان أثبت أصحاب الزهري، وقال أحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم: ثقة، وقال النسائي: ثقة ثَبْت، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان من الحفاظ المتقنين، وقال الخليلي: ثقة يحتج به، وقال ابن المديني: كان من أهل التثبت في العلم، وقال العجلي: مكي ثقة، روى عن: الزهري