قال الزين بن المنير: أفرد هذا القدر من المذكورات في الحديث بترجمة، ليشعر بأن النفي الذي حاصله النَّبَري يحصل بكل واحد من المذكورات لا بمجموعها، وأيده رواية مسلم بلفظ "أو شق الجيوب، أو دعا .. إلى آخره".
[الحديث الثالث والخمسون]
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ الْيَامِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ.
قوله: ليس منا، أي: من أهل سنتنا وطريقتنا, وليس المراد به إخراجه عن الدين، ولكن فائدة إيراده بهذا اللفظ المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك، كما يقول الرجل لولده عند معاتبته: لستُ منك ولست مني، أي: ما أنت على طريقتي. وقال الزين بن المنير ما ملخصه: التأويل الأول يستلزم أن يكون الخبر إنما ورد عن أمر وجوديّ، وهذا يصان كلام الشارع على الحمل عليه، والأَوْلى أن يقال: المراد أن الواقع في ذلك يكون قد تعرض لأن يعرض عنه، ويهجر، فلا يختلط بجماعة السنة، تأديبًا له على استصحابه حالة الجاهلية التي قبّحها الإِسلام، فهذا أولى من الحمل على ما لا يستفاد منه قدر زائد على الفعل الموجود.
وحكي عن سفيان أنه كان يكره الخوض في تأويله، ويقول: ينبغي أن يمسك عن ذلك، ليكون أوقع في النفوس، وأبلغ في الزجر، وقيل: المعنى ليس على ديننا الكامل، إنه خرج من فرع من فروع الدين، وإن كان معه أصله. حكاه ابن العربيّ.
ويظهر أن هذا النفي يفسره التَّبريىء الآتي في حديث أبي موسى بعد باب، حيث قال: برىء منه النبي -صلى الله عليه وسلم-. وأصل البراءة الانفصال من الشيء، وكأنه توعده بأن لا يدخله في شفاعته.
وقال المهلب: وأنا بريء، أي من فاعل ما ذكر وقت ذلك الفعل، ولم يرد نفيه عن الإِسلام، فبينهما واسطة تعرف مما تقدم أول الكلام، وهذا يدل على تحريم ما ذكر من شق الجيوب وغيره،