قوله:"من توضأ فليستنثر" بأن يخرج ما في أنفه من أذى بعد الاستنشاق، لما فيه من تنقية مجرى النفس الذي به تلاوة القرآن، وبإزالة ما فيه من الثفل تصح مجاري الحروف، وفيه طرد الشيطان لما عند المؤلف في بدء الخلق:"إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ، فليستنثر ثلاثًا، فإن الشيطان يبيت على خَيْشومه" والخيشوم بفتح الخاء أعلى الأنف. وقيل: هو الأنف. وقيل: المِنْخر. ونوم الشيطان عليه حقيقة، أو هو على الاستعارة؛ لأن ما ينعقد من الغبار في رطوبة الخياشيم قذارة توافق الشياطين، فهو على عادة العرب في نسبتهم المستخبث والمستبشع إلى الشيطان، أو ذلك عبارة عن تكسيله عن القيام إلى الصلاة، ولا مانع من حمله على الحقيقة. وهل مبيته لعموم النائمين أو مخصوص بمن لم يفعل ما يحتَرِسُ به في منامه من الشيطان بشيء من الذكر لحديث أبي هريرة "اقرأ آية الكرسي، لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنّك شيطان حتى تصبح". ويحتمل أن يكون المراد بنفي القرب هنا أنه لا يقرب من المكان الذي يوسوس فيه، وهو القلب، فيكون مبيته على الأنف، ليتوصل منه إلى القلب إذا استيقظ، فمن استنثر منعه من التوصل إلى ما يقصد من الوسوسة، فحينئذ فالحديث متناول لكل مستيقظ.
وظاهر الأمر فيه للوجوب، فيلزم من قال بوجوب الاستنشاق كأحمد وإسحاق وأبي عُبيد وأبي ثور وابن المنذر لورود الأمر به أن يقول به في