قوله: نهى، بالبناء للمفعول، وفي رواية الكشميهنيّ: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقوله:"متخصرًا". في رواية الكشميهنيّ "مخصِّرا" بتشديد الصاد، وللنسائيّ "مختصرًا" بزيادة المثناة، وللإسماعيلي عن حماد بن زيد قال: قيل لأيوب: إن هشامًا روى عن محمد عن أبي هريرة، قال: نهى عن الاختصار في الصلاة، فقال: إنما قال التّخَصُّر، وكان سبب إنكار أيوب لفظ الاختصار، لكونه يفهم معنى آخر غير التخصر، كما يأتي. وفسره ابن أبي شَيبة عن أبي أسامة بالسند المذكور، فقال فيه: قال ابن سيرين: هو أن يضع يده على خاصرته وهو يصلي، وبذلك جزم أبو داود، ونقله التِّرمذيّ عن بعض أهل العلم، وهذا هو المشهور من تفسيره.
وحكى الهرويّ، أن المرادَ بالاختصار قراءةُ آية أو آيتين من آخر السورة، وقيل: أن يحذف الطمأنينة، وهذان القولان، وإن كان أخذهما من الاختصار ممكنًا، لكنَّ رواية التخصّر والخُصر تأباهما. وقيل: الاختصار أن يحذف الآية التي فيها السجدة إذا مرَّ بها في قراءته، حتى لا يسجد في الصلاة لتلاوتها، حكاه الغزاليّ. وحكى الخطابيّ أن معناه أن يمسك بيده، مِخْصَرَة، أي: عصا يتوكأ عليها في الصلاة، وأنكر هذا ابن العربي في شرح الترمذيّ فأبلغ. ويؤيد الأول ما رواه أبو داود والنَّسائيّ عن سعيد بن زياد، قال: صليت الى جنب ابن عمر، فوضعت يدي على خاصرتي، فلما صلى قال: هذا الصَّلب في الصلاة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عنه.
وقد قال بكراهته ابن عمر وابن عباس وعائشة، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعيّ والأوزاعيّ، وذهب أهل الظاهر إلى تحريم الاختصار في الصلاة عملًا بظاهر الحديث. واختلف فى حكمة النهي عنه، فقيل: لأنّ إبليس أُهبط متخصرًا، أخرجه ابن أبي شَيبة عن حميد بن هلال موقوفًا. وقيل: لأنّ اليهود تكثر من فعله، فنهى عنه كراهةً للتشبه بهم. أخرجه المصنف في ذكر بني إسرائيل عن عائشة. زاد ابن أبي شيبة فيه "في الصلاة"، وفي رواية له "لا تشبهوا باليهود". وقيل: لأنه راحة أهل النار. أخرجه ابن أبي شيبة عن مجاهد، قال: وضع اليد على الحَقْو استراحة أهل