قد مرّوا، مرَّ عبد الله بن يوسف ومالك في الثاني من بدء الوحي، وابن شهاب في الثالث منه، وعطاء بن يزيد في العاشر من الوضوء. وفيه لفظ ناس؛ قال في الفتح: لم أعرف أسماءهم، إلا أن حديث النَّسائيّ يدل على أن أبا سعيد صاحب الحديث كان منهم. أخرجه البخاريّ أيضًا في الرقاق، ومسلم وأبو داود في الزكاة، والنَّسائي فيه وفي الرِّقاق.
قوله:"لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره" خبر له، وفي رواية الزبير بعد هذا "فيبيعها فيكفَّ الله بها وجهه" وهذا مراد في حديث أبي هريرة، وحذف لدلالة السياق عليه. قوله: خير له، ليست بمعنى أفعل التفضل، إذ لا خير في السؤال مع القدر على الاكتساب، والأصح عند الشافعية أن سؤال من هذا حاله حرامٌ ويحتمل أن يكون المراد بالخير فيه، بحسب اعتقاد السائل، وتسميته الذي يعطاه خيرًا، وهو في الحقيقة شر.
وقوله:"من أن يأتي رجلًا"، وفي حديث الزبير الذي بعده "من أن يسأل الناس" والمعنى واحد. وقوله: والذي نفسي بيده، فيه القسم على الشيء المقطوع بصدقه، لتأكيده في نفس السامع. وفيه الحض على التعفف عن المسألة، والتنزه عنها، ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق، وارتكب المشقة في ذلك، ولولا قبح المسألة في نظر الشارع لم يفضل ذلك عليها، وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال، ومن ذل الرد إذا لم يعط، ولما يدخل على المسؤول من الضيق في ماله إن أعطى كل سائل.
وقوله:"أعطاه أو منعه"؛ لأن حال المسؤول إما العطاء، وفيه المنّة وذل السؤال، وإما المنع، ففيه الذل والخيبة والحرمان. وكان السلف إذا سقط من أحدهم سوطُه لا يسأل من يناوله إياه. وفيه التحريض على الأكل من عمل يده، والاكتساب من المباحات، واعلم أن مدار الأحاديث في هذا الباب على كراهية السؤال، وهو على ثلاثة أوجه: حرام، ومكروه، ومباح. فالحرام لمن سأل وهو غنيّ من الزكاة، أو أظهر من الفقر فوق ما هو به. والمكروه لمن سأل وعنده ما يمنعه عن ذلك، ولم يظهر من الفقر ما هو به، والمباح لمن سأل بالمعروف قريبًا أو صديقًا. وأما السؤال عند الضرورة فواجبٌ لإحياء النفس، وأدخله الداوديّ في المباح. وأما الأخذ من غير مسألة ولا إشراف نفس فلا