قوله:"كان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فيه أن مثل هذا يحكم له بالرفع خلافًا لمن شذ ومنع ذلك، ووافقه مسلم والجمهور على ذلك. ويأتي ما فيه قريبًا إن شاء الله تعالى، وفيه دليل على جواز الجهر بالذكر عقب الصلاة. قال الطبري: فيه الإبانة عن صحة ما كان يفعله بعض الأمراء من التكبير عقب الصلاة، وتعقبه ابن بطال بأنه لم يقف على ذلك عن أحد من السلف إلا ما حكاه ابن حبيب في الواضحة أنهم كانوا يستحبون التكبير في العساكر عقب الصبح والعشاء تكبيرًا ثلاثًا عاليًا. قال: وهو قديم من شأن الناس. قال ابن بطال وفي العتبية عن مالك أن ذلك محدث، وفي قوله كان على عهد إلخ إشعار بأن ذلك لم يكن يفعل في الوقت الذي حدث فيه؛ لأنه لو كان يفعل لم يكن لقوله معنى فكان التكبير في أثر الصلوات لم يواظب الرسول -عليه الصلاة والسلام- عليه طول حياته، وفهم أصحابه أن ذلك ليس بلازم فذكره خشية أن يظن أنه مما لا تتم الصلاة إلا به، فلذلك كرهه من كرهه من الفقهاء. قال ابن بطال: أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرهم متفقون على عدم استحباب رفع الصوت بالتكبير والذكر حاشا ابن حزم قال النووي: حمل الشافعي هذا الحديث على أنهم جهروا به وقتًا يسيرًا لأجل تعليم صفة الذكر لا أنهم داوموا على الجهر به. والمختار أن الإِمام والمأموم يخفيان الذكر إلا إن احتيج إلى التعليم.
وقوله:"قال ابن عباس كنت أعلم" هو موصول بالإسناد المبدأ به كما عند مسلم عن إسحاق بن منصور عن عبد الرزاق به وفيه إطلاق العلم على الأمر المستند إلى الظن الغالب.
وقوله:"إذا انصرفوا" أي: أعلم انصرافهم بذلك، أي: برفع الصوت "إذا سمعته" أي: الذكر والمعنى كنت أعلم بسماع الذكر انصرافهم. وظاهره أن ابن عباس لم يكن يحضر الصلاة في الجماعة في بعض الأوقات لصغره أو كان حاضرًا لكنه كان في آخر الصفوف، فكان لا يعرف انقضاءها بالتسليم وإنما كان يعرفه بالتكبير. قال الشيخ تقي الدين: ويؤخذ منه أنه لم يكن هناك