الباطن، فكانوا كمن تَلَفَّظَ بالشهادتين، ولم يُصدِّق بقلبه فإنه تجري عليه الأحكام في الظاهر، ثم قال المصنف:"وهو قولٌ وفِعلٌ. ويَزيدُ ويَنقُصُ"، وهو أي: الإِيمان، وفي رواية الكُشْميهَنيّ "قول وعمل"، وهو اللفظ الوارد عن السلف الذين اطلقوا ذلك.
والكلام هنا في مُقامين، أحدهما: كونه قولًا وعملًا، والثاني: كونه يزيد وينقُص، فأما القول، فالمراد به النُّطْق بالشهادتين، وأما العمل، فالمراد به ما هو أعم من عمل القلب والجوارح، ليدخل الاعتقاد والعبادات، ومراد من أدخل ذلك في تعريف الإِيمان، ومن نفاه إنما هو بالنظر إلى ما عند الله تعالى، فالسلف قالوا: هو اعتقادٌ بالقلب ونطقٌ باللسان، وعملٌ بالأركان، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله، ومن نشأ لهم القول بالزيادة والنُّقصان، كما يأتي، والمُرْجِئة قالوا: هو اعتقاد ونطق فقط، والكرّاميَّةُ قالوا: هو نُطق فقط، وذهبت الخوارج وكثير من المعتزلة إلى أنه العمل والنطق والاعتقاد، والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطًا في صحته، والسلف جعلوها شرطًا في كماله، وهذا كله بالنظر إلى ما عند الله تعالى، كما قلنا، أما بالنظر إلى ما عندنا، فالإِيمان هو الإِقرار فقط، فَمَن أقَرَّ أُجْريت عليه الأحكام في الدنيا، ولم يُحْكم عليه بكفر، إلا إذا اقترن به فِعلٌ يدل على كفره، كالسجود للصنم، فإن كان الفعل لا يدلُّ على الكفر، كالفسق، فمن أطلق عليه الإِيمان، فبالنظر إلى إقراره، ومن نَفَى عنه الإِيمان، فبالنظر إلى كماله، ومن أطلق عليه الكُفر فبالنظر إلى أنه فعل فعل الكافر، ومن نفاه عنه فبالنظر إلى حقيقته.
وأثبت المُعتزلة الواسطة، فقالوا: الفاسق لا مؤمن ولا كافر.
وقال النَّوَوِيُّ: اتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين أن المؤمن الذي يُحْكَم بأنه من أهل القِبلة، ولا يُخَلَّد في النار، لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإِسلام اعتقادًا جازمًا خاليًا من الشكوك، ونطق مع ذلك بالشهادتين، فإن اقتصر على أحدهما لم يكن من أهل القِبلة