للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصلًا، بل يخلد في النار، إلا أن يعجِز عن النطق لخلل في لسانه، أو لعدم التمكن منه لمعالجة المنِيَّة، أو غير ذلك، فإنه حينئذ يكون مؤمنًا بالاعتقاد من غير لفظ، وقد مر أن الإِيمان هو تصديق الرسول إلخ .. ، وهو الذي قال به جمهِور المحققين من المتأخرين، ومنهم الأشعرية وأكثر الأئمة كالقاضي مُحْتَجِّين بقوله تعالى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} وقوله عليه الصلاة والسلام: "اللهمَّ ثَبِّتْ قلبي على دينِكَ" فالإِيمان إنما هو التصديق بالقلب، والإِقرار شرطٌ لإِجراء الأحكام في الدنيا، كما أن التصديق بالقلب أمر باطن لا بد له من علامة، ولذا قال النَّويُّ ما مر عنه.

وأما المُقام الثاني فذهب السلف إلى أن الإِيمان يزيد ويَنْقُص، وأنكر ذلك أكثر المتكلمين، وقالوا متى قَبِلَ ذلك كان شكًّا، قال الشيخ محيي الدِّين: والأظهر المُختار أن التصديق يزيد وينقص بكثرة النظر، ووضوح الأدلة، ولهذا كان إيمان أبي بكر أقوى من إيمان غيره، بحيث لا تعتريه شبهة، ويؤيده أن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل، حتى إنه يكون في بعض الأحيان أعظم يقينًا وإخلاصًا وتوكلًا منه في بعضها، وكذلك في التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها، ولا شَكَّ أن حق اليقين أقوى من عين اليقين، وعين اليقين أقوى من علم اليقين، وقد قال علي: لو كُشِفَ الغطاء ما زادني يقينًا، وجه الدلالة منه هو أن نفي الشيء فرع ثبوته، وما نُقل عن السلف صرح به عبد الرزاق في "مصنفه" عن سفيان الثَّورِيّ، ومالِك، والأوْزَاعي، وابن جُرَيج، ومَعْمر، وهؤلاء فقهاء الأمصار في عصرهم، ونَقله أبو القاسم اللّالَكَائيّ في كتاب "السنة" عن الشافعي، وأحمد، وإسحاق بن رَاهَوَيه، وروى بسندِه الصحيح عن البُخَاريّ، قال: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار، فما رأيت أحدا منهم يختلفُ في أن الإِيمان قول وعمل، ويزيد وينقُص، وأطْنَبَ ابن أبي حاتم والّلالَكَائيّ في نقل ذلك بالأسانيد عن جمع كثير من الصّحابة والتابعين، وكل من يدور عليه الإِجماع منهم، وأخرج الخلال

<<  <  ج: ص:  >  >>