للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه، كقوله تعالى {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}.

وفي صحيح مسلم أن المسألة لا تحل إلا لثلاثة، لذي فقر مُدقع، أو غُرم مفظع، أو جائحة، وفي السنن قوله -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس؛ "إذا سألت فاسأل الله" وفي سنن أبي الـ "إن كنت لابد سائلًا فاسأل الصالحين"، وقد اختلف العلماء في ذلك، والمعروف عند الشافعية أنه جائز؛ لأنه طلب مباح، فأشبه العارِيّة، وحملوا الأحاديث الواردة على من سأل من الزكاة الواجبة ممن ليس من أهلها، لكن قال النووي: اتفاق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة، قال: واختلف أصحابنا في سؤال القادر على الكسب على وجهين: أصحهما التحريم، لظاهر الأحاديث، والثاني يجوز مع الكراهة، بشروط ثلاثة: أنْ لا يلح، ولا يذل نفسه، زيادة على ذل نفس السؤال، ولا يؤذي المسؤول، فإنْ فُقِد شرطٌ من ذلك حَرُم. وقال الفاكهانيّ: يتعجب ممن قال بكراهة السؤال في عصره -صلى الله عليه وسلم-، ثم السلف الصالح من غير تكبر، فالشارع لا يقر على مكروه، فلعل من كره مطلقًا، أراد أنه خلاف الأوْلى، ولا يلزم من وقوعه أن تتغير صفته، ولا من تقريره أيضًا. وينبغي حمل حال أولئك على السداد، وأن السائل منهم غالبًا ما كان يسأل إلا عند الحاجة الشديدة.

وفي قوله: من غير نكير، نظرٌ، ففي الأحاديث الكثيرة الواردة في ذم السؤال كفاية في إنكار ذلك، وجميع ما تقدم فيمن سأل لنفسه، وأما السائل لغيره فالذي يظهر أيضًا أنه يختلف باختلاف الأحوال. وقوله: وعقوق الأمهات، قيل: خص الأمهات بالذكر لأن العقوق إليهن أسرع من الآباء، لضعف النساء، ولينبه على أن برّ الأم مقدم على برّ الأب، في التلطف والحنو ونحو ذلك. وهذا من تخصيص الشيء بالذكر، إظهارًا لعظم موقعه. والأمهات جمع أُمَّهةٍ، وهي لمن يعقل، بخلاف الأُم فإنه أعم.

وقوله: ومنعًا وهات، بالتنوين، وفي رواية "ومنع وهات" بغير تنوين، وهي في الموضعين بسكون النون، مصدر منع يمنع، وأما هات، فبكسر المثناة، فعل أمر من الإيتاء. قال الخليل: أصل هات آت، فقلبت الهمزة هاء، والحاصل من النهي منع ما أمر بإعطائه، وطلب ما لا يستحق أخذه، ويحتمل أن يكون النهي عن السؤال مطلقًا، كما مرَّ بسطه قريبًا. ويكون ذكره هنا مع ضده، ثم هو محتمل أن يدخل في النهي ما يكون خطابًا بالاثنين، كما ينهى الطالب عن طلب ما لا يستحقه، وينهى المطلوب عن إعطاء ما لا يستحقه الطالب، لئلا يعينه على الإثم.

وقوله: ووأد البنات، بسكون الهمزة، وهو دفن البنات في الحياة، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهةً فيهن. ويقال: إن أول من فعل ذلك قيسُ بن عاصم التميميّ، وكان بعض أعدائه أغار عليه، فأخذ بنته فأتخذها لنفسه، ثم وقع بينهم صلح بعد ذلك، فخَيَّر ابنته فاختارت زوجها، فآلى قيس على نفسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها حية، فتبعه العرب في ذلك. وكان من العرب فريق ثانٍ يقتلون أولادهم مطلقًا، إما نفاسة منه على ما ينقصه من ماله، وإما من عدم ما ينفقه عليه. وقد ذكر الله أمرهم في القرآن في عدة آيات، وكان صعصعة بن ناجية التميمي أيضًا جَدّ الفرزدق همام

<<  <  ج: ص:  >  >>