للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزهري، وقال: إنه اختلف عليه فيه فقيل عنه هكذا وقيل عنه مثل قول الجماعة: "إنه لا جمعة على مسافر" رواه الأوزاعي عن الزهري. وقال ابن المنذرت وهو كالإِجماع من أهل العلم على ذلك؛ لأن الزهري اختلف عليه فيه، ويمكن حمل كلام الزهري على حالين فحيث قال: "لا جمعة على مسافر" أراد على طريق الوجوب، وحيث قال: "فعليه أن يشهد" أراد على طريق الاستحباب، ويمكن أن تحمل رواية إبراهيم هذه على صورة مخصوصة وهو إذا اتفق حضوره في موضع تقام فيه الجمعة، فسمع النداء لها لا أنها تلزم المسافر مطلقًا حتى يحرم عليه السفر قبل الزوال من البلد الذي يدخلها مجتازًا مثلًا، وكأن ذلك رجح عند البخاري ويتأيد عنده بعموم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فلم يخص مقيمًا من مسافر. وأما ما احتج به ابن المنذر على سقوط الجمعة عن المسافر بكونه "-صلى الله عليه وسلم- صلّى الظهر والعصر (بعرفة) وهو يوم جمعة" فدل ذلك من فعله أنه لا جمعة على مسافر، فهو عمل صحيح إلا أنه لا يدفع الصورة التي ذكرت.

وقال الزين بن المنير: قرر البخاري في هذه الترجمة إثبات المشي إلى الجمعة مع معرفته بقول من فسرها بالذهاب الذي يتناول المشي والركوب، وكأنه حمل الأمر بالسكينة والوقار على عمومه في الصلوات كلها، فتدخل الجمعة كما هو مقتضى حديث أبي هريرة، وأما حديث أبي قتادة فيؤخذ من قوله: "وعليكم بالسكينة" فإنه يقتضى عدم الإِسراع في حال السعي إلى الصلاة أيضًا.

قلت: المشي الذي في الترجمة أخذه واضح من قوله في حديث أبي هريرة: "وأتوها تمشون"، فإنه صريح في الترجمة، ويحرم على الذي تلزمه الجمعة السفر بعد الزوال إن لم يخف فوات رفقة، ولم يصل الجمعة في طريقه. وجوّزه أبو حنيفة وسفره قبل الزوال جائز عند عمر وابنه عبد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح، وكرهه مالك كراهة تنزيه من بعد الفجر وفي شرح "المهذب" الأصح تحريمه، وبه قالت عائشة ومعاذ بن جبل وعمر بن عبد العزيز.

وأما السفر ليلة الجمعة قبل الفجر فهو جائز إلا ما رواه ابن أبي شيبة عن عائشة قالت: "إذا أدركتك ليلة الجمعة فلا تخرج حتى تصلي الجمعة". وإبراهيم بن سعد مرّ في السادس عشر من الإيمان، ومرّ الزهري في الثالث من بدء الوحي.

<<  <  ج: ص:  >  >>