وفي رواية:"إن جلوس الإمام على المنبر يقطع الصلاة".
وأخرج ابن أبي شيبة عنه في مصنفه قال:"أدركت عمر وعثمان -رضي الله تعالى عنهما- فكان الإمام إذا خرج تركنا الصلاة، وإذا تكلم تركنا الكلام".
وتعقب في "الفتح" هذا بمنع اتفاق أهل المدينة على ذلك. قال: فقد ثبت فعل التحية عن أبي سعيد الخدري، وهو من فقهاء الصحابة من أهل المدينة، وحمله عنه أصحابه من أهل المدينة.
فقد روى الترمذي وابن خزيمة وصححاه "أن أبا سعيد الخدري دخل ومروان يخطب فصلّى ركعتين فأراد حرس مروان أن يمنعوه فأبى حتى صلاّهما ثم قال: "ما كنت لأدعهما بعد أن سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر بهما".
قال: ولم يثبت عن أحد من الصحابة صريحًا ما يخالف ذلك.
وأما ما نقله ابن بطال عن عمر وعثمان وغير واحد من الصحابة من المنع مطلقًا، فاعتماده في ذلك على روايات عنهم فيها احتمال كقول ثعلبة بن أبي مالك: "أدركت عمر وعثمان وكان الإمام إذا خرج تركنا الصلاة". وجه الاحتمال أن يكون ثعلبة عني بذلك من كان داخل المسجد خاصة.
وقال الحافظ أبو الفضل في "شرح الترمذي": كل مَنْ نقل عنه من الصحابة منع الصلاة والإمام يخطب محمول على مَنْ كان داخل المسجد؛ لأنه لم يقع عن أحد منهم التصريح بمنع التحية. وقد ورد فيها حديث يخصها فلا يترك بالاحتمال.
قلت: هذا التعقب كله متعقب فإن حديث أبي سعيد نفسه دال على أن عملهما في المدينة لم يكن متعارفًا وإلا لما أراد حرس مروان منع أبي سعيد من صلاتهما، فإرادتهما سمعه دليل واضح على أن الأمراء كانوا يوكلون من يمنع من صلاتهما، وانفراد أبي سعيد لا يمنع من الاتفاق كانفراد عبد الله بن مسعود بالقراءة وغيره من الصحابة. وما قاله من الاحتمال في كلام ثعلبة بن أبي مالك بعيد جدًا، فإن تعليقه لترك الكلام على خروج الإمام ظاهر أو صريح في عموم الداخل والسابق، وكذلك الروايات السابقة عنه. وما قاله أبو الفضل من أنها ورد فيها حديث يخصها فلا يترك بالاحتمال يجاب عنه بأن الوارد فيها أقواه حديث سليك كما مرَّ، وفيه من الاحتمالات ما يوجب سقوط الاستدلال به قطعًا
وقوله: "أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة صريحًا ما يخالف ذلك" يقال فيه: إنه قد ورد عنهم ما يخالف ذلك، فقد روي عن أبي سعيد الخدري رفعه: "لا تصلُّوا والِإمام يخطب". ودعوى أن عمومه يخص بالأمر بصلاة التحية دعوى لا دليل عليها، ولم لا يقال إن إطلاق الأمر بالتحية يقيد بالنهي وقت الخطبة.