وقال النوويّ: قال بعضهم معنى الحديث أن الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل، وكان ذلك مطابقًا للواقع، فهو من أهل الجنة، فإن كان غير مطابق، فلا، وكذا عكسه. قال: الصحيح أنه على عمومه، وإن من مات منهم فألهم الله تعالى الناسَ الثناء عليه بخيرٍ، كانَ دليلًا على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، فإن الأعمال داخلةٌ تحت المشيئة، وهذا إلهام يستدل به على تعيينها، بهذا تظهر فائدة الثناء.
في هذا في جانب الخير واضح، ويؤيده ما رواه أحمد وابن حِبّان والحاكم عن أنس مرفوعًا "ما من مسلم يموت، فيشهد له أربعة من جيرانه الأدْنِين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرًا، إلا قال الله تعالى "قد قبلتُ قولكم، وغفرتُ له ما لا تعلمون".
ولأحمد عن أبي هريرة نحوه، وقال ثلاثة بدل أربعة، وفي إسناده من لم يسم، وله شاهد من مراسيل بشير بن كعب، أخرجه أبو مسلم الكجيّ، وأما جانب الشر، فظاهر الأحاديث أنه كذلك، لكن إنما يقع ذلك في حق من غلب شره على خيره. وفي رواية النضر المشار إليها أولًا، في آخر حديث أنس، أنَّ لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر، واستدل به على جواز ذكر المرء بما فيه من خير أو شر، للحاجة، ولا يكون ذلك من الغيبة، وسيأتي البحث عن ذلك في باب النهي عن سبب الأموات، آخر الجنائز، وهو أصل في قبول الشهادة بالاستفاضة، وأن أقل أصلها إثنان.
وقد أباح العلماء الغيبة في أمور جمعها القائل في قوله:
فهل تباح في حق الميت أيضًا؟ وإنّ ما جازت غيبة الحي به تجوز غيبة الميت به أم يختص جواز الغيبة في هذه المواضع المستثناة بالأحياء؟ ينبغي أنْ ينظر في السبب المبيح للغيبة إن كان قد انقطع بالموت كالمعاملة، فهذا لا يذكر في حق الميت, لأنه قد انقطع بموته. وإن لم ينقطع بموته كجَرْح الرواة، وكونه يؤخذ عنه اعتقاد ونحوه، فلا بأس بذكره به ليحذر ويجتنب.
وهل يختص الثناء الذي ينفع الميت بالرجال أم يشترك فيه النساء والرجال؟ وإذا قلنا يشتركون فيه، فهل يكتفى في ذلك بامرأتين، أو لابد من رجل وامرأتين، وأربع نسوة؟ الظاهر الاكتفاء باثنين مسلمين، وأنه لا يحتاج إلى قيام امرأتين مقام رجل واحد، فقد روى الطبرانيّ في الكبير عن كعب بن عُجْرة قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا لأصحابه" ما تقولون في رجل قتل في سبيل الله؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: الجنة إن شاء الله تعالى، قال: فما تقولون في رجل مات، فقام رجلان ذوا عدل، فقالا: لا نعلم إلا خيرًا؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، قال: الجنة إن شاء الله تعالى. قال: فما تقولون في رجل مات فقام رجلان ذوا عدل فقالا: لا نعلم خيرًا؟ قالوا: النار. قال -صلى الله عليه وسلم-: مذنب،