ففعلوا به ذلك، فكان لا يصبر عن سفك الدماء لما كان منه في أول الأمر.
وكان الحجاج يخبر عن نفسه أن أكبر لذّاته سفك الدماء، وارتكاب أمور لا يقدم عليها غيره. ويقال: إن زياد بن أبيه أراد أن يتشبه بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في ضبط الأمور والحزم والصرامة وإقامة السياسات، إلا أنه أسرف وتجاوز الحد. وأراد الحجاج أن يتشبه بزياد فأهلك ودمر. وخطب يومًا فقال في أثناء كلامه: أيها الناس، إن الصبر عن محارم الله، أهون من الصبر على عذاب الله، فقام إليه رجل فقال: ويحك يا حجاج ما أصفق وجهك وأقل حياءك، فأمر به فحبس، فلما نزل عن المنبر دعا به فقال له: لقد اجترأت عليّ، فقال له: أتجترىء على الله فلا ننكره، ونجترىء عليك فتنكره؟ فخلى سبيله.
قال شاذان: كان مفلسًا من دينه. وقال طاووس: عجبت لمن يسميه مؤمنًا. وكفّره جماعة منهم: سعيد بن جُبير ومجاهد والنخعي والشعبي وغيرهم. وقالت له أسماء بنت أبي بكر: أنت المُبير الذي أخبرنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وقال مالك بن دينار: سمعت الحجاج يخطب، فلم يزل بيانه وتخليصه بالحجج حتى ظننت أنه مظلوم. وروى ابن أبي الدنيا عن زيد بن أسلم بإسناد صحيح أن المِسْوَرَ بن مَخْرَمة أغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أحبّ إليَّ من الدنيا وما فيها، عبد الرحمن بن عوف في الرفيق الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وحَسُن أولئك رفيقًا، وعبد الملك والحجاج يجران أمعاءهما في النار. ولم يكن للحجاج حينئذ ذكر، ولا كان عبد الملك ولي الخلافة بعدُ، لأن المسور مات في اليوم الذي جاء نعي يزيد بن معاوية من الشام، وذلك في ربيع الأول سنة أربع وستين من الهجرة.
وقال القاسم بن مخيمرة: كان الحجاج ينقض عرى الإِسلام عروة عروة. قال النسائيّ عن أبيه: ليس بثقة ولا مأمون. وقال الحاكم: أبو أحمد ليس بأهل أن يُروى عنه، ومما يحكى عنه من الموبقات قوله لأهل السجن: اخسؤوا فيها